الدراسات والبحوث

النشـاط المعـادي – أسبابه ومصادره

لا يمكن حصر النشاط المعادي أو تحديده في فعل أو سلوك معين ولذلك أجمع فقهاء القانون وعلم السياسة على أن كل سلـوك أو فعل أو التحضير لفعل،أيٍ كان نوعـه،وأيٍ كان مصدره ، يمس كيان الدولة،أو يسئ لسمعتها،أو يهدد أمنها الداخلي  أو الخارجي،فهو نشاط معادي تجرمه التشريعات الداخلية للدولة وكافة القوانين والأعراف الدولية،ومن حق الدولة مكافحته ودفعه والتصدى له بكل الطرق والوسائل المشروعة التي تراها .

وللنشاط المعادي صوَر وأوجه وأشكـال مختلفة ومتعددة .. منها ما هو خارجي تقوم به دولة ضد أخرى لزعزعة أمنها واستقرارها ومنها ما هو داخلي  تقوم به منظمة أو جماعة متمردة أو ذات أهداف إنفصالية أو يقوم به  أفراد عملاء حاقدين على النظام السياسي أو في صورة تنظيمات سرية ذات أهداف تخريبية أو سياسية بغرض الوصول للسلطة، وفي معظم الحالات يكون للنشاط المعادي الداخلي ارتباطات ودعم خارجي .. ومثل ما للنشاط المعادي من صوَر وأشكال وأغراض  متعددة،فإن له أيضاً دوافع ومحركات متعددة ،ومناخ سياسي وبئات ينمو أو ينشط فيها،وخلافاً للطفرات العابرة  التي يقوم بها بعض  الأفراد للتعبير عن ردة فعل وقتية فإن النشاط المعادي دائما يعتمد على التخطيط ودقة الحركة وحساب الخطوات بالتركيز على مواطن الضعف في سياسة الدولة والوسط الاجتماعي الذي يعمل فيه .

مصادر النشاط المعادي

حتى ولو كان هدف الدراسة يقتصر على جانب معين او نوع محدد من النشاط المعادي فإن الإشارة لأنواعه ومصادره بصورة شمولية تصبح ضرورية من باب التذكير في أنه رغم الاختلاف بين مصادره في الشكل وأسلوب العمل إلا أنه يتحد في الغاية والغرض والقاسم المشترك لذلك هو أن النشاط المعادي الخارجي لن يُكتب له النجاح إلا إذا أعتمد على عملاء له في الداخل،وكذلك النشاط المعادي الداخلي  لن يُكتب له النجاح إلا إذا كان له دعم وتميل خارجي،ونشير إلى ذلك في الآتي .

*أولاً / النشاط المعادي الخارجي :

النشاط المعادي الموجه من دولة ضد أخرى له معطيات ووسائل وأشكال متعددة . فمعطياته إما أن تكون سياسية من أجل بسط النفوذ، أو تغيير النظام القائم أو إخضاعه لسياسة معينة،وإما أن تكون إقتصادية بهدف رعاية المصالح والسيطرة على المنتجات والثروات الطبيعية في الدولة المستهدفة،وإما أن تكون عسكرية أو أمنية بغرض تأمين الحدود أو مناطق النفوذ في فضاء معين .. ووسائله إما أن يكون عمل عسكري مباشر،أو عن طريق العمليات السرية بدعم مرتزقة أو منظمات محلية عميلة لها .. أما  أشكاله فتكـون حصار اقتصادي أو بتشويه صورة الدولة المستهدفة في المجتمع الدولي أو بتسخير عملاء للقيام بعمليات سرية تؤدي إلى تخبط الدولة في سياستها الخارجية بشكل يسئ علاقاتها مع الدول الأخرى ويفقدها وزنها بين الدول ويفقد رعاياها في الخارج احترامهم بين شعوب العالم ، ويخلق فيها نوع من عدم الاستقرار الداخلي وتخبط نظامها في سياسته الداخلية بشكل يفقد ثقة المواطن فيه ويدفعه إلى السلبية والتسيب واللامبالاة في عمله بالمؤسسات العامة الاقتصادية والخدمية،ويؤدي إلى انتشار الفساد الإداري في المؤسسات العامة والفساد الأخلاقي في المجتمع،وتفقد معه أجهزة السلطة التنفيذية قدرتها على ضبط الأمور،ومن ثم يفقد النظام هيبته داخل الدولة .. ونجد في  ذلك أن كل هذه الظروف ترتبط ببعضها البعض ويعمل العدو الأجنبي على توجيهها ضد الدولة المستهدفة بالعدوان إما علناً بحجج وذرائع معينة،وإما سراً تحت سواتر مختلفة نستوضحها على النحو التالي :

1ـ عدوان عسكري مباشر بذريعة ترسيم الحدود أو حماية المصالح،أو اتهام الدولة المستهدفة بإيواء جماعات أو منظمات إرهابية .

2ـ دعم جماعات أو تنظيمات محلية مناوئة لسياسة الدولة بحجة المناداة بالحريات الفكرية والثقافية وتطبيق العدالة الاجتماعية  واحترام حقوق الإنسان بهدف خلق نوع من عدم الاستقرار الأمني في الداخل .

3ـ تجنيد عملاء خاصة من المسئولين وذوي التأثير في القرار السياسي والإداري في الدولة المستهدفة ودفعهم على إصدار وإتخاذ القرارات والإجراءات الإدارية أو التجاوز السلبي للقوانين الصادرة عن السلطة التشريعية للدولة بشكل يعقد الإجراءات والمعاملات اليومية ويضيق الخناق على المواطن لتأليبه على النظام .

4ـ اعتماد العمليات السرية بتسريب جواسيس إمـا على هيئة تجار أو باحثين عن عمل  أو سواح بهدف الاستعلام والاتصال بعملائهم وتوجيههم لعمليات اجتماعية لإحداث الفرقة وتفتيت اللحمة الوطنية،وإما تمريرهم ضمن فرق العمالة والخبراء الذين يتم جلبهم من الخارج بهدف جمع المعلومات عن المشاريع الإستراتيجية وتحديد أغراضها والقيام بعمليات تخريبية مباشرة أو غير مباشرة في خارطة تنفيذ تلك المشروعات لتخريب الاقتصاد وتعطيل حركة التنمية .

5ـ إيقاظ وتحريك النعرات العرقية والدينية والطائفية الانفصالية في الدولة المستهدفة في حالة وجودها وتحريضها على التمرد ضد النظام ودعمها بطريقة مباشرة عن طريق التدخل العسكري إلى جانبها عندما تكون في حالة حرب علنية مع دولتها أو غير مباشرة بتوفير مأوى خارجي لقياداتها وناشطيها وتوفير معسكرات تدريب لعناصرها ودعمها بالسلاح والمال ومساندتها سياسياً .

6ـ الاتصال بالعناصر المعارضة لنظام الدولة المستهدفة وعناصر مختارة من رعاياها المقيمين في الخارج وتقوية شعور نقمتهم على دولتهم والعمل على تهيئة الظروف أمامهم ورعايتهم ودعمهم للقيام بأعمال مناوئة إما في صفوف رعايا دولتهم وتشويه سمعتها في الخارج أو تساعد على خلق خرق أمني داخل بلادهم .

*ثانيا / النشاط المعادي الداخلي :

السياسيون والمسئولون عن التخطيط لاستقرار الأمن السياسي يعرفون أن الشعب هو أقوى أطراف مكونات الدولة،وبقبوله لنظام الحكم تستقر الدولة وبرفضه له تكون حوادث الشغب،ولذلك نجد أن أنظمة الحكم دائما تعمل على تهيئة الرأي العام المحلي قبل اتخاذ أي قرار خاصة القرارات الهامة،ومن هنا نلاحظ أن العلاقة بين الشعب ونظام الحكم في الدولة علاقة حساسة جداً،فإذا ما زاد نظام الحكم عن حده في التعامل مع شعبه وصار شرخ في اللُحمة بينهما ينفذ منه العملاء والمغرضون واتسعت هوة النقمة عليه فإنه بذلك أعطى ترخيصاً للنشاط المعادي في الدولة ولا يمكنه تقدير أبعاده ولا نتائجه،ولا يمكنه حتى السيطرة عليه أو مقاومته مثل ما سيفعل في التعامل مع النشاط الموجه من الخارج،ودوافع وأشكال النشاط المعادي داخل الدولة تختلف تماماً عن دوافع النشاط المعادي الخارجي،فالدوافع قد تكون لأسباب وطموحات شخصية أو اجتماعية وقد تكون لأسباب سياسية أو إقتصادية يصعب على النظام سرعة حسمها،ومنها ما هو نتاج فكري أو أيدلوجي لفرد أو جماعة معينة في الدولة تخالف النهج والمبادئ السياسية للنظام القائم منذ البداية ، ومنها ما تولده سياسة النظام  في البلاد .

أما شكل النشاط المعادي الداخلي فله عدة مظاهر، منه ما هو شعبي يقوم به فرد أو جماعة سراً أو علناً حسب الظروف ضد الدولة ابتداءً من التعليق البسيط وحتى التنظيم السري أو التظاهر السلبي وأعمال الشغب،ومنه ما تقوم به الدولة ضد نفسها من خلال تعقيدها للإجراءات الإدارية والمعاملات اليومية للمواطنين وعدم توفير السلع والخدمات التي يرى المواطن أن دولته قادرة على توفيرها،أو يجد أن بلاده أصبحت تتخبط في سياستها العامة بما يهين كرامته في الداخل أو يسئ لسمعته في الخارج،وفيما يلي مجملاً لبعض صور النشاط المعادي الداخلي :

1ـ التآمر العسكري بأن يتفق عدد من ضباط القوات المسلحة على التخطيط لانقلاب عسكري للاستيلاء على السلطة في البلاد، ويقومون بإنشاء خلايا في الوحدات العسكرية المختلفة .

2ـ التنظيمات السرية سواءً كانت دينية أو علمانية أو عرقية ينظمها فرد أو مجموعة من الأفراد يناصبون العداء للنظام السياسي القائم في البلاد،وفي أغلب الأحوال تكون لهم اتصالات وارتباطات بجهات أجنبية، ويُنشئون خلايا من المتفقين معهم في الرؤية والهدف ويعملون سراً في الوسط الشعبي على استقطاب أنصاراً لهم  لتكوين قاعدة عريضة في المجتمع،ويتركز نشاطها في البداية على توزيع المنشورات والكتابات المعادية والقيام بعمليات السطو من أجل الحصول على الأموال والأسلحة وخلق الفزع بين الناس لإظهار فشل النظام في استتباب الأمن،وإذا ما وجدت المناخ الأمني الملائم فإنها لا تتوانى في تنفيذ بعض عمليات التفجير والاغتيالات،وإذا ما قويت شوكتهم فإنهم يجاهرون بعدائهم وتكون المواجهة صعبة ذات تأثير على استقرار الأمن في الدولة .

3ـ المنظمات والجماعات العلنية،وهذا النوع من الجماعات عادة ما تتأسس من بعض رعايا الدولة المقيمين في الخارج المناوئين لسياسة بلادهم يتركز نشاطها على مواطني الدولة المسافرين في إجازات سياحية أو المتواجدين في الخارج لغرض الدراسة أو العمل ، واتصالها بالداخل بسيط يعتمد على الأقارب والعلاقات الشخصية وعادة ما يكون أنصارها أو مؤيدو اتجاهها قليلون ، وأغلب نشاطها إعلامي لتشويه سمعة النظام والتشكيك فيه وبث الشائعات المغرضة ضده،ورغم أنها أكثر من التنظيمات السرية ارتباطاً بجهات أجنبية إلا أنها أقل منها تأثيراً على النظام والأمن في الدولة .

4ـ العملاء المندسون،وهم أفراد من مواطني الدولة ليس لهم ولاء وطني،يعملون لصالح العدو بشكل فردي في مختلف الأوساط الشعبية والرسمية وفي مختلف المهن والوظائف  في الدولة،منهم البسطاء ومنهم القياديون،يقومون كل من موقعه المهني أو الوظيفي بعمليات تخريب غير منظورة في أغلب الأحوال بهدف الإساءة لنظام الدولة وإضعاف هيبتها بعضهم تدفعهم أحقاد على النظام لأسباب شخصية أو اجتماعية وليس له ارتباط بأي جهة،وبعضهم مأجورين من منظمات أو جهات أجنبية دوافعهم الكسب المادي أو مصالح أخرى، وكلما كان للعميل المندس منصب قيادي أو وظيفة هامة كان تأثيره السلبي على أمن الدولة أكثر،ومنهم من يتبعون تنظيمات سرية داخلية دافعهم سياسي،وهدفهم الانقضاض على نظام الدولة  من داخله،واكثر استعمالاً لهذا الأسلوب هم الماسونيين وجماعة الأخوان المسلمين ، وهذا النوع يعتبر أخطر أنواع النشاط المعادي لأن حركته خفيه جداً من واقع ممارسة الوظيفة وحتى إن اكتشفت جرائمه فإنها تختفي أو تندرج تحت ساتر التجاوز لعدم الفهم أو الخطأ غير المقصود،ومن جهة أخرى فإن عناصر هذا النوع من النشاط يعملون دائما على ربط العلاقات بالمسئولين في الدولة ولهم القدرة على التلون والنفاق والتطبيق الحرفي لمصطلح الغاية تبرر الوسيلة .

5ـ الرأي العام السلبي،ونقصد به الرأي العام المحلي المتمثل في الأقاويل والتعليقات السلبية التي يتناولها الناس فيما بينهم لنقد سياسة الدولة في إصدارها لقانون أو قرار معين أو اتخاذها لإجراءات لا يرضى عنها غالبية الشعب،والرأي العام السلبي عندما يتجاوز حد معين يتحول إلى غضب وغليان شعبي يكون بيئة خصبة لإنبات بذور الكراهية للنظام ومناخ سياسي وأمني مناسب لحركة التنظيمات السرية المحلية والمنظمات الخارجية المعادية والجواسيس والعملاء المندسين،وإذا ما أحتد الغضب ونُفثت فيه سموم المعاديين صار العصيان المدني ولن تنفع معه بعد ذلك إجراءات المواجهة أو أي إجراءات معالجة .

6ـ الإشاعة المغرضة،وتعتبر سلاح معنوي فتاك، فهي أشبه بالمتفجر الانشطاري أو العنقودي تنتشر بسرعة لتصيب عدة أهداف بإصابات خطيرة أو قاتلة،تستهدف الجانب النفسي والمعنوي في الإنسان،ولها تأثيرات اقتصادية واجتماعية في الدولة منبتها التأويل والتفسير السيئ لنبأ أو خبر حقيقي أو شبه حقيقي أحياناً أو خبر خيالي من واقع قراءة لشي معين تناوله الرأي العام يكون قابل للتصديق ، هدفها إحداث الهلع والفزع بين الناس .

7ـ ارتفاع معدل الجرائم الجنائية،وخاصة جرائم السرقة والسطو المسلح والتهريب والمخدرات والرشوة وتزوير العملة،فهذه بالذات من أخطر الجرائم على اقتصاد الدولة وأمنها الاجتماعي واستقرارها السياسي، فإذا ما أصبحت في تزايد أو وصلت إلى معدلات معينة أصبح فيها المواطن يشعر بالخوف على نفسه وأسرته وممتلكاته وعدم الأمان في تنقلاته بين مدن بلاده،أو غير قادر على إنهاء معاملاته اليومية إلا بإتباع طرق معينه مخالفة للقانون مفروضة عليه،أو فقد الثقة في الأوراق النقدية لعملة بلاده،فمعنى ذلك أن هيبة الأمن قد تلاشت واقتصاد الدولة يصبح في تدهور فينعدم الاستقرار وتعم الفوضى بالبلاد وينتهي معها النظام .

8ـ انتشار الظواهر السيئة،لا يخلو مجتمع من الظواهر السيئة .. فمنها ما هو ناتج عن انحراف  في سلوك بعض الأفراد  كالدعارة والقمار والخمر والتسول مردوده ضرر مادي أو معنوي يعود على فاعله،يحتقره الناس ويستهجنونه  ولا يتأثرون به ولا يلمون الدولة في شئ منه إلا إذا أباحته،أما الظواهر الأخرى كالمحاباة والوساطة والمحسوبية، فرغم أنها سلوك أفراد أيضاً لكنها تحسب على النظام السياسي لأنه لا يستطيع  القيام بها إلا من هو مسئول في الدولة أو من له علاقة بمسئول أو من ينتمي لفئة معينة في المجتمع، والغاية منها الحصول على فوائد مادية و معنوية والتميز عن بقية أفراد المجتمع، الأمر الذي يثير غرائز التفاخر والتباهي عند القلة المستفيدين الذين في كثيراً من الأحيان يقومون باستغلالها في تنشيط وتوسع نطاق بعض الظواهر الاجتماعية المستهجنة،ويثير نزعات الحقد والغيرة عند الآخرين، وتكون ردة الفعل بأشكال وصور مختلفة لا يمكن حصرها، منها ما يؤثر سلبا بين الحين والآخر في مسار الرأي العام،ومنها ما يثير الإشاعات المغرضة .. الخ،وفي جميع الأحوال تسند المسئولية في ذلك للنظام السياسي واتهامه بالفشل في تحقيق الأمن والعدالة بين الناس .

9ـ سلبية الجهاز الإداري،باعتبار أن كافة الناس تخضع في معاملاتها اليومية لوحدات الجهاز الإداري فمعنى ذلك أن ثبات القانون أو القرار والتزام الموظف سواءً كان قيادي أو بسيط به والمساواة بين الناس في التعامل  هي الشاهد والتمام اليومي للمواطن علي حضور وقوة فاعلية الدولة ..أما التذبذب في إصدار القوانين والقرارات وعدم ثباتها أو عدم الرقابة على التجاوز فيها أو حتى عدم تطبيقها كلياً فإنه يؤدى إلى تكاسل الموظف وسلبيته وإساءة تعامله مع الناس، إما لأنه مستاء من التضارب في القوانين والقرارات المتلاحقة أو لم يستطع استيعابها ويتخوف من المسئولية التي ستترتب على خطأ قد يقع فيه،وإما أن يكون ذو مأرب معين وحاقد على النظام ووجد حجة يتستر بها لتحقيق أغراضه في تعقيد الإجراءات وتعطيل معاملات الناس لتأليبهم على النظام بطريقة غير مباشرة دون أن تطاله أدنى مسئولية في ذلك .

10ـ نقص السلع والخدمات،تختلف سياسة الدول عن بعضها في مجال توفير السلع والخدمات لمواطنيها فمنها من تتبع سياسة الخوصصه وتتنصل من مسئولية توفير الشق الأعظم من السلع والخدمات وتترك مسئوليتها لشركات القطاع الخاص يتنافسون فيها وتحتفظ الدولة بحق الرقابة عليها وجباية الرسوم والضرائب فقط،ومنها من تحتكر النشاط الاقتصادي وتأخذ على عاتقها مسئولية توفير الشق الأكبر من السلع والخدمات .. الأولى ليست لها مشاكل مباشرة مع المواطن العادي وتنحصر مشاكلها مع الشركات في الضرائب ومراقبة الجودة والأسعار والرقابة الصحية،أما الثانية فإنها في صدام ولوم مباشرة مع المواطن العادي وخاصة عندما يكون المواطن على دراية وقناعة تامة بأن دولته غنية وبمقدورها توفير متطلباته من السلع والخدمات،فكلما صار خلل في الخدمات أو نقص في سلعة من السلع يتعرض لها بالسب والشتم أحياناً والنعوت بإهدار أمواله في غير سياقها أو حتى بسرقتها أحياناً أخرى،ويزداد المواطن كرهاً لنظام دولته إذا ما سافر لدولة أخرى أقل موارد من دولته ووجد توفر السلع والخدمات فيها بما يوفر رفاهية شعبها أكثر من بلده، ومن هنا تأتي غيرة الشعوب من بعضها خاصة فئات الشباب وتتولد الأحقاد على الأنظمة وتصير ردود الأفعال المختلفة بحدوث أنشطه معادية في صور وأشكال متباينة ومختلفة .

11ـ سؤ سلوك المسئولين وحاشية النظام،المسئول في الدولة من أدنى إلى أعلى درجة في المسئولية هو محل أنظار الناس،وكل الناس تعرفه إما شخصياً أو باسمه بحكم وظيفته،لكنه لا يعرف إلا القليل منهم،وهم يرونه ويتحدثون عنه إما سلباً أو إيجاباً حسب وضعه والسلوك الصادر عنه، وهو لا يرى أحد وليس لديه بما يتحدث عن أحد .. ومعنى هذا أن المسئول هو الوجه العلني للدولة وسلوكه هو وجهها الخفي، ومن خلال سلوكه وتعامله مع الناس وقراراته في المؤسسة التي يديرها في رعايته لنيل موظفيه لحقوقهم ورقابته عليهم في الالتزام بواجباتهم لتوفير السلع والخدمات للمواطن حسب اختصاص الوحدة الإدارية أو المؤسسة يتم تقييمه وتقييم النظام من خلاله فكلما أساء التصرف سواء في القرار أو في السلوك أساء لنظام الدولة، فمن حيث الإجراء الإداري، فإن من مساويه ما هي مقصودة بهدف التخريب والإساءة للنظام عندما يكون حاقد أو عميل أو ينتمي لتنظيم سري  معين  وهذا خطير جداً، ومنها ما هي غير مقصودة إما ناتجة عن الإهمال أو اللامبالاة،وإما ناتجة عن قصوره أو عدم كفاءته في تخصص الوحدة الإدارية أو المؤسسة التي يديرها وهو أقل خطراً .. أما من حيث السلوك الشخصي كالرشوة واختلاس الأموال والوساطة والمحسوبية واستعباد بعض موظفيه وسؤ معاملتهم والانحراف الأخلاقي داخل وخارج المؤسسة، فليس فيها مقصود أو غير مقصود فأي سلوك مشين يصدر عنه فإنه باختياره ويسئ لسمعة المؤسسة وسمعة نظام الدولة ويولد رأي عام سلبي وإشاعات مغرضة .. فالإجراء الإداري التخريبي المقصود الصادر عن المسئول يندرج في خانة الخيانة،أما الإجراء الضار غير المقصود والسلوك الشخصي المشين  يندرج  في خانة النشاط المعادي للنظام السياسي باعتباره صادر عن مسئول،خلاف ما يكون صادر عن مواطن عادي الذي يندرج في خانة الجرائم الجنائية العادية .

12ـ سوء الإجراءات الأمنية،الوظيفة الأمنية مهما كان اختصاصها فإنها تختلف عن الوظائف الأخرى والخطأ في إجراءاتها أو سؤ سلوك منتسبيها باستغلال وظيفتهم أو التجاوز فيها يكون له تأثير وردة فعل أكبر من الخطأ أو التجاوز في أي وظيفة أخرى،لأن  ذلك يتعلق بمستقبل وحريات الناس وأحياناً بحياتهم،ولذلك نجد أن قبول الأشخاص لشغل الوظيفة الأمنية يتم وفق شروط ومواصفات معينة تلائم ووظيفته الشاقة في منع الجريمة وتعقب مرتكبيها،ولا يستتب الأمن إلا إذا كان أعضاء الأجهزة الأمنية أنقياء السلوك وذوي قدرات فاعلة .. لكن الجانب الأهم من ذلك هو السياسة أو الإجراءات التي يعتمدها الجهاز الأمني ، فعندما ذو سياسة حكيمة في توظيف كوادره وذو إجراءات قانونية في البحث عن المعلومات ومكافحة الجريمة ، وذو قدرة على ربط الصلة بينه وبين المواطن ليكون ملجأ يطمئن إليه الخائف والمظلوم،ودار أمان للمتطوعين بأسرار معينة تخدم أمن البلاد فإنه يضمن التعاون الشعبي معه ويحافظ على استقرار الأمن أما عندما  يسئ استعمال سلطته ويتجاوز القانون بحجة ظرفية في مكافحة أو تعقب آثار جريمة معينة ويقوم بإجراءات وتصدر عن أعضائه سلوكيات أو تصرفات لممتلكات وأعراض  الناس ، أو يخدش كرامة مواطن أراد التطوع بمعلومات أمنية معينه ولا يوليه اهتماماً إما بحجة بساطة المعلومة أو احتمال عدم صحتها، فإنه يكون قمعياً ومكروهاً من الناس ويفقدون الثقة في التعامل معه ،ويبني حاجز نفسي بينه وبين من يريدون التطوع بمعلوماتهم وهذا يعتبر نشاط معادي للدولة سواءً كان مقصود أو غير مقصود، فالأمن والمواطن هما ذراعي الجسد الواحد لكل منهما مساره والتقائهما يشدد القبضة .

ما أشرنا إليه يعتبر عينات مختصرة لصور وأشكال النشاط المعادي،وأهمها والذي يجب التوقف عنده ومناقشته هو ما يتولد عن إجراءات الدولة نفسها وما يصدر عن مسئولي مؤسساتها من سلوك سلبي أو مشين الذي من شأنه إحداث رأي عام سلبي وتأليب الشعب على النظام السياسي،لأن ذلك السلوك غير منظور في كثير من الأحيان رغم أنه أكثر فتكاً من النشاط المعادي الذي يقوم به تنظيم أو جماعة سرية .


#فريق_البحث_الأمني_بالمركز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى