سلايدرمقالات

الجاسوسية الإقتصادية وأثرها على الأمن القومي الليبي

مركز السلام والتنمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية 

تصاعدت خلال السنوات الأخيرة الحرب الخفية للجاسوسية الاقتصادية,حرب المعلومات الاقتصادية حرب كسب العقود والصفقات التصديرية الضخمة،حرب فتح الأسواق الدولية واختراقها والتمركز والتوسع والانتشار فيها،حرب توجيه قوى العقل والاستهلاك والسيطرة على سلوك وعقل وتفكير وتفضيلات المستهلكين،حرب لا تهدأ ولا تفتر ولا ترتبط بهدنة،وهي الحرب الدائمة المستمرة بين الأعداء والأصدقاء على حد سواء.

تتراوح أهداف الجاسوسية الاقتصادية وتزداد وفقا لدرجة نضج وارتقاء الحس الأمني والرغبة في الارتقاء والنمو الاقتصادي،وأهم أهداف الجاسوسية الإقتصادية ما يلي:-

  • تزويد متخذ القرار بالبيانات والمعلومات في الوقت المناسب بما يساعده على التخطيط والتنظيم والتوجيه والمتابعة لأنشطة الإنتاج والتسويق والتمويل والكوادر البشرية في المشروع وضمان نجاحه واستمراره واستقراره.
  • تمكين المشروع من السيطرة على أسواقه وعلى عملائه وعلى الوسطاء في هذه الأسواق وتحقيق التواجد الفعال والمكثف في هذه الأسواق وضمان حد أدنى من المبيعات وعمليات التصدير إلى الأسواق المختلفة.
  • الحصول على أسرار الصناعات المنافسة وأسرار التكنولوجيا المكتشفة حديثا وما يعده المنافسون في الخفاء من صفقات أو خطط إنتاجية أو خطط تسويقية،ومصادر التمويل التي يعتمدون عليها وخطط وموقف العاملين لديهم ومدى رضاهم واستقرارهم هناك.
  • التنبؤ بالأوضاع المستقبلية التي سوف تكون عليها الأسواق والمشاكل والأزمات التي يمكن أن تحدث والطرق والوسائل الفعالة للتعامل معها.
  • القيام بالأعمال الخفية تحت سواتر وأغطية مشروعة يمكن التخفي ورائها بنجاح وتنفذ بفاعلية كاملة خاصة عندما لا تستطيع الوسائل العلنية الأخرى التدخل أو تنفيذ هذه المهام.

ولما كانت الجاسوسية الاقتصادية تعمل على تحقيق النفاذية الدائمة لمواقع متخذي القرار في الأسواق الأجنبية فإنها تستخدم العديد من الوسائل والأدوات والطرق والأساليب من أهمها ما يلي:-

  • زرع العناصر التي أمكن إعدادها وتدريبها بشكل جيد لتكون على اطلاع كامل على خبايا وخفايا الأمور وتعهد هذه العناصر بالرعاية والحماية والحيلولة دون انكشافها مع تزويدها بالمال والسلطة والنساء والتي تمكنها من شراء الذمم وإفساد الضمائر والحصول على الأسرار.
  • تجنيد الخونة واستقطاب الجهلاء وإزاحة العلماء والوطنيين من المؤسسات والشركات والمناصب العليا وجعلها قاصرة فقد على الخونة والعملاء والجهلاء والمخربين والفاسدين.

وتقوم أجهزة المخابرات والجاسوسية الاقتصادية بإتباع مجموعة من الطرق التي تستخدم كسواتر أو أغطية للتخفي وراءها لتتمكن من تنفيذ مخططاتها واهم هذه السواتر ما يلي:-

  • برامج التطوير والتحديث وتقديم الاستشارية والتدريبية والتي من خلالها يتم الحصول على كافة المعلومات والبيانات واكتشاف العناصر التي لديها استعداد للخيانة أو رغبة في التدمير وتجنيدها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
  • المعارض المشتركة لمعرفة أسرار إنتاج السلع والخدمات والأفكار ومزاياها التنافسية وكيفية تسويقها وكيفية تسويقها وكيفية تحقيق الربح منها.
  • الاستثمار المشترك والدخول في مشروعات مشتركة وبشكل ذكي يهدف للحصول على أسرار الصناعة أو أسرار العملاء والمنافسين وابتلاع هؤلاء المنافسين بالتدريج والاستيلاء على حصصهم السوقية.
  • المؤتمرات والندوات والتي تتم إدارتها بشكل ذكي ودعوة متخذي القرار إليها الذين يهتمون بالنواحي الإعلامية ووضع عدد من مخبري الصحف والمجلات ومحرري الأخبار في الإذاعة ممن تم انتقاؤهم بعناية لتحقيق النفاذية والاستيلاء على الأسرار الخاصة بهم.
  • الإغراء والتهديد من أجل الحصول على المعلومات والبيانات ذات الطبيعة بالغة السرية وبصفة خاصة الخطط الحالية والمستقبلية للمشروعات وكذلك لدفع متخذ القرار إلى اتخاذ قرارات خاطئة ضد مصالح الشركة وإشاعة أجواء من عدم الاستقرار والقلق والتوتر تدمر العاملين في الشركة ولا تنبههم للمخطط الخبيث الذي يحاك ضد الشركة وضد مصالحهم.

وتلعب الجاسوسية الاقتصادية اليوم الدور الرئيسي في صنع عمليات الاندماج والتكتل الاقتصادي بل إن المخابرات الألمانية والفرنسية كانت العامل الفعال وراء نجاح السوق الأوروبية المشتركة،كما إن المخابرات الألمانية كانت المخرج الرئيسي لعمليات الابتلاع التي تقوم بها شركات السيارات الألمانية لشركات إنتاج السيارات في البلاد الأوروبية وهي التي كانت إلى وقت قريب تعد منافسا قويا للسيارات الألمانية.

وقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية بإعادة هيكلية أجهزة مخابراتها لتصبح اكتر اهتماماً بالجوانب الاقتصادية،وقد فعلت كندا وبريطانيا نفس الشيء،وكذلك فعلت من قبل كل من اليابان والصين،كما قد حدث تحول رئيسي في جهاز المخابرات الروسية ليصبح احد أنشط أجهزة التجسس الاقتصادي في العالم،وفي الوقت الذي أصبح فيه وجود أجهزة التجسس الاقتصادي أمراً حيوياً ليس فقط لتحقيق ودعم القرار الاقتصادي،ولكن وهو الأهم لتحقيق الإنذار المبكر من الأزمات الاقتصادية والتحوط والاحتياط من نتائجها المدمرة،ولقد أصبحت الجاسوسية الاقتصادية أمراً في غاية الضرورة ليس فقط للدول بل للشركات.

ليبيا اليوم تعتبر مرتعاً خصباً لكافة أنواع أجهزة المخابرات الدولية نتيجة لإنهيار وتدمير المؤسسات الأمنية وضعف تأسيسها مند البداية بحيث تكون لديها القدرة على امتصاص الصدمات العنيفة من الأعداء وتعاود تشكيل نفسها من جديد حسب الواقع ووفق سيناريوهات معدة مسبقة لكافة الاحتمالات,لا يمكن تبرير الفشل الكبير في احتواء الأزمة والتماهي معها بمرونة والإلتفاف عليها وخنق رؤوس الفتنة فيها وتصحيح الأخطاء في جسم الدولة قبل أن يستفحل المرض ويشكل مدخلا للأعداء ويتم تحريك الشعب به.

أخي الليبي: 

إن الحرب المشتعلة في ليبيا ولا تكاد تنطفيء نارها حتى تشتعل من جديد عمقها وأساسها الفضاء الاقتصادي والصراع الدولي على الكعكة الليبية،حيث تجبر الدولة الليبية على التضحية بمليارات الدولارات في سبيل النجاة من الغرق وهو الفخ الذي ينصب لها من البداية لتقبل بدفع ما تملك لتنجو وتخرج من أزمتها.

إن الحروب الاقتصادية قادرة على تدمير الصناعات الحيوية الغذاء والدواء والمصدر الأساسي للدخل في الدولة الهدف والنفط في الحالة الليبية وعزل البلد عن السوق العالمية والتسبب في إفلاس البنوك خلال أيام قليلة ونشاهد اليوم مسرحية أزمة السيولة وعدم توفر النقد للمواطن لغرض إحداث الفوضى والمجاعات وبالتالي تغيير أنظمة الحكم والرضاء بأي بديل يتم فرضه عليهم يوفر لهم ما فقدوه من الحد الأدنى للمعيشة والذي يطالب به الشعب بدون وعي اليوم.

يمكن للحرب الاقتصادية دعم أهداف السياسة الخارجية للقوى الاستعمارية عن طريق مهاجمة النخب الاقتصادية والخبراء الإكفاء ووضع قيادات سياسية هزيلة أو عسكرية غبية يتم تحريكها والتلاعب بها معتقدة أنها تقدم خدمة للوطن ويتم من خلالها تدمير التجارة واستنزاف احتياطيات النقد الأجنبي وخفض مستوى الإنتاج وزيادة التضخم ومعدلات البطالة وزيادة الاضطرابات الاجتماعية والعمالية وتسريع هجرة السكان وفتح الأبواب لهم في الخارج عبر تقديم تسهيلات لجنسية معينة تحت غطاء انساني وهدفه الاستراتيجي استعماري وافراغ البلد من قوته البشرية وخاصة الشبابية.

إن الحرب الإقتصادية وسيلة جديدة لفرض السلطة وعمليات التجسس في الحرب الإقتصادية يمكنها مساعدة الاستخبارات العالمية على جمع وتفسير أنماط ردود فعل الشعب الليبي وتعامله مع الأزمات المفتعلة التي أنتجت له خصيصاً ؟!! ووضع استراتيجيات تخدم الأهداف الاستعمارية التي من أجلها يتم استهداف البلد.


#فريق_البحث_الأمني_الاستراتيجي_بالمركز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى