الدراسات والبحوث

المخدرات – تعريفها وانتشارها في ليبيا

تمهيد

أن مواجهة الظواهر الهدامة مسئولية جماعية ، لأنها تشكل خطراً على الفرد والمجتمع ، ويمكن مواجهتها بالكشف عنها وتسخير كافة المنابر لتبصير المجتمع بخطورتها ، وأن الهدف من نشر هذه الظواهر هو ابتعاد الشباب عن أي عمل تطوعي ، وإلهائهم عن قضاياهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وقتل الروح الوطنية والقومية لدى الشباب ، والعمل على عدم تحقيق أي تقدم عملي أو عسكري في جميع المجالات من خلال قفل روح الإنتاج والإبداع لدى الشباب .

وشعوراً منا بالمسئولية ، وإيماناً بأن تعاطي المخدرات المغيبات والمؤثرات العقلية هو من الظواهر الهدامة ، كان اختيارنا لموضوع المخدرات كموضوع للبحث والدراسة .

إن المخدرات والمؤثرات العقلية شأنها شأن الإيدز في أسلحة الدمار الشامل،  فهي سلاح فتاك من شأنه أن ينهي حياة الإنسان وضحاياه تقدر بالملايين ، كما أنها ضد سلامة الفرد في شخصه وكيانه وصحته وعافيته ، علاوة على أنها تصادر حرية الإنسان حين تحول حرية المدمن إلى خطر على حياة الآخرين أو فساد للمجتمع .

المخدرات مشكلة عالمية

تناولت كثيراً من الكتب والمراجع تعريفات مختلفة عن المواد المخدرة سواء من الناحية اللغوية أو الطبية أو القانونية ، إلى أن عرفتها لجنة المخدرات بالأمم المتحدة بالتعريف التالي : ” هي كل مادة خام أو مستحضرة ، منبهة أو مسكنة أو مهلوسة إذا استخدمت في غير الأعراض الطبية أو الصناعية المواجهة تؤدي إلى حالة من التعود أو الإدمان عليها مما يضر بالفرد نفسياً وجسمياً ” .

وقد كشفت دراسات علمية وتقارير حديثة عن أن الاتجار في المخدرات يمثل 8% من حجم التجارة الدولية حيث تأتي هذه التجارة في المرتبة الثالثة من حجم التجارة الدولية بعد تجارة السلاح والمواد الغذائية .

أن مشكلة المخدرات ليست مشكلة حديثة أو معاصرة و أن أطلق عليها البعض (طاعون العصر الحديث)(3) ، وقد عرف الأقدمون المخدرات بأنواعها و انتشرت مؤخراً أنواع جديدة من المخدرات الطبيعي منها والمستحضر ولإلقاء الضوء على هذا الموضوع قسم هذا الفصل إلى ثلاث مباحث هي :

أنـــــواع المـخــدرات

  1. المخدرات الطبيعية :ـ

هي نباتات التي تحتوي أوراقها على المادة المخدرة وتضم :ـ

  • نبات القنب الهندي :ـ

هو نبات شجريي شديد الرائحة، ويبلغ طوله من 30 سم إلى 6 أمتار، وأوراقه طويلة وضيقة ومشرشرة ، ولامعة ولزجة،وسطحها العلوي مغطي بشعيرات قصيرة وأهم مناطق نموه لبنان،تركيا،الهند،المغرب  أفغانستان،كولومبيا،جامايكا،ومصر،ويستخرج (الحشيش) من نبات القنب حيث يجمع الراتج،أي مادة الحشيش من القمم المزهرة للنبات والسطح العلوي لأوراقه عن طريق قشطه ،أثناء فترة تزهير النبات.

ويستعمل الحشيش عادة عن طريق التدخين،ويشرب أحياناً ممزوجاً ببعض المشروبات العطرية كالبرتقال أو الياسمين،كما يؤكل بخلطة ببعض الحلويات،أو المربات . كلمة قُنب لاتينية معناها (ضوضاء) وذلك لما يحدثه متعاطوه من جلبة وضوضاء أثناء تعاطيه .

ويؤثر الحشيش على الجهاز العصبي  بالتنشيط أو التهبيط حسب الكمية المتعاطاة أو طريقة التعاطي .

  • وتتلخص أهم أعراضه فيما يلي :ـ
  1. الإحساس بالنشوة والميل إلى الضحك لأبسط الأسباب .
  2. تقل درجة الإحساس بالألم والبرودة أو الحرارة .
  3. الشعور بالرضا و الابتهاج ومع انتهاء المفعول يشعر المتعاطي بالخمول والاكتئاب .
  4. يحدث خللاً في تقدير حساب الزمن والمسافات .
  • نبات الخشخاش (الأفيون) :ـ

وهو المصدر الذي يستخرج منه الأفيون ، وهو نبات يبلغ طوله من 70 سم إلى 10 سم ، و أوراقه طويلة وناعمة ، خضراء ذات عنق فضي

و أهم مناطق منوه المثلث الذهبي (تايلاند ، وبورما ، ولاوس) والهلال الذهبي (إيران ، باكستان ، وأفغانستان) ، وتركيا والمكسيك والهند ولبنان . والأفيون هو عصير مادة الخشخاش التي لم تفتح بعد ، ويستخلص عن طريق تشريط كبسولة (رأس) النبات ، ولونه ابيض يتحول ، عند ملامسة الهواء إلى البني المائل إلى السواد ، وله رائحة نفاذة مميزة ، لزج شديد المرارة ، و يتعاطي عن طريق الفم ، أو الحقن في الجسم بعد إذابته بالماء . ويؤثر الأفيون ، بشكل عام على الجهاز العصبي وخلايا الجسم ، وتسبب كمية قليلة منه لا تتجاوز جرامين هبوطاً حاداً في التنفيس وشلل مراكز التنفس في المخ ، وهو يسبب تنبيهاً مؤقتاً يعقبه نوم عميق يستيقظ منه الإنسان محطم القوى ، فاقداً للشهية ، ميالاً للقسوة والعنف . ويمر مدمن الأفيون بالآلام قاسية عند محاولة التوقف عن تعاطيه (أعراض الانسحاب) حيث يصاب بالاكتئاب ، والقلق ، والتهيج العصبي)  والتجشؤ ، والعرق الغزير ، وارتعاش كل أجزاء الجسم (4) .

  • نبات القات :ـ

هو نبات معمر، ذو أوراق دائمة الاخضرار، ويبلغ ارتفاع شجرة القات ما بين متر ومترين ، أوراقها بيضاوية الشكل ،مدببة الطرف، لها ساق قصير .

ويزرع القات على الساحل الإفريقي المطل على المحيط الهندي ، ويستهلكه ربع سكان إفريقيا تقريباً ، كما يتناوله عرب الشاطئ الجنوبي والجنوب الغربي من البحر الأحمر ، وتستهلك منه كميات ضخمة في اليمن وعدن .

ويتم تعاطي القات عن طريق المضغ ، لاستخلاص عصارته وبلع اللعاب بعد أن يتم تخزينها في الفترة معينة ، ويستعين متعاطيها أحياناً بشرب الماء من وقت لأخر . ويؤثر القات في الجهاز العضوي لمتعاطيه مما يؤدي إلى سرعة ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم ، وحرارة الجسم ، وإفراز كمية من العرق ،كما يؤدي إلى اضطرابات هضمية ومعوية .

ويمر متعاطي القات بثلاث مراحل :ـ

  1. تنبيه الإدراك والحس في شعور بالسعادة والانسجام .
  2. تنشيط الإدراك والقوي العقلية .
  3. خمول القوي العقلية مع ضعف الذاكرة .
  • نبات الكوكا :ـ

هي شجرة مورقة دائمة ، ذات أوراق ناعمة وبيضاوية الشكل وتزرع الكوكا في الهند ، و اندونيسيا وجادا ، وسيلان وجبال الانديز في أمريكا الجنوبية ويبلغ ارتفاعها بين مترين ونصف .
ويتم تعاطيها بالمضغ وتؤدي إلى تنشيط الجهاز العصبي ثم تخدير المعدة ، فلا يشعر متعاطيها بالجوع أو التعب ، ويؤدي مضغ نبات الكوكا إلى شعور المتعاطي بالارتياح ، والميل إلى التوافق والانسجام وسهولة التفكير ثم يعقب ذلك إحساس بالخمول والاكتئاب وارتفاع درجة الحرارة .

  • الكوكايين :ـ

هو مسحوق أبيض ناعم الملمس عديم الرائحة يستخرج من نبات الكوكا . والمدمن تحت تأثير الكوكايين لا يشعر بالإرهاق والتعب ، بل يستطيع أن يؤدي كمية كبيرة من العمل المتواصل مع الإحساس بالنشاط والقوة والذاكرة الحادة ويشعر بتنميل في اليدين والقدمين ، وفقدان الإحساس بالأماكن التي يلامسها المخدر مثل الأنف في مرحلة الإدمان بالشم مما يؤثر على مراكز المخ العليا الخاصة بالسمع والأبصار ويخيل إليه وجود حشرات تزحف تحث الجلد فيظل يهرش باستمرار ، كالمصابين بمرض جلدي ، وسرعان ما يسبب الكوكايين إرادة مدمنه ويستعبده ويحدث تدهوراً مستمراً في شخصيته وعقله وفكره وقدراته الذهنية .

  1. المخدرات الصناعية :ـ

وهي المخدرات التي تحتاج إلى معاملة صناعية خاصة ، و أغلبها يستخلص من النبتات الطبيعية المخدرة .

  • المورفين :ـ

والمورفين عبارة عن مسحوق ابيض ناعم ، غير بلوري ، عديم الرائحة مر المذاق و أحياناً يكون على شكل سائل ابيض شفاف ، ويعبأ في آواني زجاجية ، وقد يكون في صورة أقراص ، ويعتبر من أقوي المخدرات المانعة للألم ويتم تعاطي المورفين بالبلع أو مخلوطاً بالقهوة أو الشاي أو بالتدخين أو بالحقن تحت الجلد ، ويؤدي تعاطي المورفين إلى تسكين الألم ، وضعف التنفس والسعال ، ويسبب الاسترخاء والهدوء والشعور بالنشوة أحياناً ، وعند غيابه يصاب المدمن بالهياج العصبي الشديد ، وإفراز العرق الغزير ، وحكة مستمرة في الجلد .

  • الهيروين :ـ

يعتبر الهيروين من أخطر العقاقير المخدرة المسببة للإدمان ذلك لأنه يحتوي على قوة تبلغ من ضعفين إلى عشرة أضعاف قوة المورفين مما يجعله أكثر المخدرات طلباً عند المدمنين .

ويستخرج الهيروين من المورفين بعد تسخين المورفين مع كمية كبيرة من كلورد الاستيل ، والهيروين مسحوق ابيض ، عدم الرائحة ، بلوري الشكل يذوب في الماء مر المذاق ، ناعم الملمس .

ويتم تعاطي الهيروين عن طريق الاستنشاق أو الحقن تحث الجلد أو الوريد ، ويشعر متعاطي الهيروين بسعادة زائفة وفتور ويلحق في عوالم أخرى ، ولكن بعد ساعات قليلة ، سرعان ما يشعر بالخمول ويبدأ إحساسه بالحاجة إلى النوم ويسبب تعاطي الهيروين اعتماداً نفسياً وعضوياً أشد من المورفين فيورث الإدمان ، بسرعة أكثر من أي مخدر آخر .

ومناطق إنتاجه في مناطق إنتاج الأفيون نفسها إضافة إلى بعض الدول التي لا تنتج الأفيون ولكن يوجد بها معامل لتحويله إلى هيروين مثل سورية ، و هونج كونج ، والمكسيك وتعد أفغانستان من أكبر منتجي الهيروين .

  1. المخدرات التخليقية :ـ

وهي عقاقير التي يتم استخلاصها بالتفاعلات الكيميائية ومنها ما يسبب التنبيه الشديد للجهاز العصبي وهي ما تسمى بالعقاقير المنبهة ومنها ما يسبب الهبوط والهدوء ، وهي ما تعرف بالعقاقير (المهدئة) ، ومنها ما يؤدي إلى اختلال الإدراك أو الانفصال في التفكير والسلوك والوظائف الحركية وهي ما تسمى بالعقاقير (المهلوسة) وكلها ينجم عنها مشاكل تضر بحالة الفرد والمجتمع معاً .

  • عقاقير المهلوسة :ـ

تقع مناطق إنتاجها في أوروبا وخاصة في هولندا و النرويج وبلجيكا كما تنتج في أمريكيا الشمالية وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك المكسيك وكندا .

وتنضم مواد متنوعة تنتمي إلى المجموعات كيميائية متغايرة ولكن تجمعها خاصية أحداث الهلوسة.

وتسمى بالمهلوسات لان متعاطيها يصاب بهلوسة عقلية ، تحدث له تهيؤات وتخيلات غريبة ، قد تدفعه إلى الجنون أو الانتحار ، وارتكاب الجريمة ، ومن أهمها عقار الـ D.S.L ، والاتوبين ، والسكوبولامين.

  • عقاقير النشطة (المنبهة) : الامفيتامينات :ـ

هي عقاقير مخدرة من خواصها تنشيط الجهاز العصبي ، وعدم إحساس الفرد بالإرهاق أو النوم ، ويشعر متعاطيها بالنشوة والحيوية والرغبة في العمل والزيادة في التركيز ولذلك فأنها تنتشر بين الطلبة والرياضيين ، والحرفيين ، و أهم مناطق إنتاجها أوروبا وأمريكا الشمالية .

العقاقير المهدئة (المنومة) الباربيوترات :ـ

هي عقاقير مخدرة تستعمل طبياً لعلاج الأرق وكمضادات للصرع والتشنجات ويمكن أن تكون ذات تأثير سريع إذا تناولها الفرد بكميات كبيرة فيشعر بالكسل و التعلثم في الكلام وفقدان الاتزان ويشبه تأثير الكحوليات ، وأهم مناطق إنتاجها أوروبا و أمريكا الشمالية والهند .

أضــــرار المخـــــدرات

أن مشكلة المخدرات ذات بعدين :ـ

  • بُعد بشري ، حيث تستهدف المخدرات الإنسان الفرد في جسمه وصحته ، وقواه العقلية .
  • بُعد مادي يتعلق باستنزاف مشكلة المخدرات للعديد من المواد المادية والمالية التي تدعم جهود التنمية(5) .

وتختلف أثار المخدرات على الإنسان وتتفاوت في درجات خطورتها من مادة إلى أخرى ، وعند الحديث عن أضرار المخدرات يمكن تقسيمها إلى :ـ

أولاً :ـ الأضرار الاجتماعية :ـ

الإدمان مرض يصيب الفرد والمجتمع ، فبالإضافة إلى الأمراض والمشكلات التي تلحق بالمدمن فان البنيان الاجتماعي يتصدع وينهار ،حيث تتفكك الروابط الأسرية وتتدنى قدرة الإنسان على العمل فيقل الإنتاج ، كما يتزايد عجز الشباب على مواجهة الواقع والارتباط بمتطلباته وتتفاقم المشكلات الاجتماعية وتكثر الحوادث والجرائم .

ومن المشكلات الاجتماعية التي تنجم عن الإدمان كثرة المشاجرات الأسرية والطلاق وتشديد الإبقاء وكثرة العنف والاغتصاب والسرقة والقتل بالإضافة إلى كثرة المخالفات القانونية .

وقد يضحي المدمن بسبب الرغبة الملحة في اقتناء المخدر بأولاده حيث يفضل شراء المخدر على شراء الطعام والكساء بمتطلبات الحياة الأسرية ، بل قد يرمى بأولاده في أحضان المذيلة والفساد .

ثانياً :ـ الأضرار النفسية :ـ

لتعاطي المخدرات أثار نفسية خطيرة تلحق بالشخص المتعاطي ومن تلك الآثار شعوره الدائم بالخوف والاضطهاد وضياع أهدافه من الحياة ، وكثيراً ما يفكر في الموت ، وهذا بالإضافة إلى انه يفقد الفاعلية والنشاط وجميع العادات الحسنة ويظهر عليه الآتي :ـ

  • الانقطاع عن الاستحمام .
  • الإهمال في الهندام .
  • سوء التغذية .
  • الانعزال عن المجتمع والناس المألوفين له سابقاً .
  • الشعور بالقلق والتوتر وهذا يأتي بعد النشوة المؤقتة وفي الغالب قد يميل البعض إلى الجنون .

ثالثاً :ـ الأضرار الصحية :ـ

أن مدمن المخدرات يعانون بصفة دائمة من الضعف العام ، و التدهور في كافة جوانب حياتهم الصحية إلى الدرجة إلى يعجزون فيها عن القيام بأي عمل مهما كان سهلاً يمكن إجمال الأضرار الصحية للمخدرات في :ـ

  • تحدث المخدرات اختلال في التوازن والذي يحدث بدوره بعض التشنجات والصعوبات في النطق والتعبير عما يدور بذهن المتعاطي بالإضافة إلى صعوبة المشي .
  • تسبب التهاب المعدة المزمن وتعجز عن القيام بوظيفتها وهضم الطعام .
  • التهاب في المخ وتحطيم وتأكل ملايين الخلايا العصبية التي تكون المخ مما يؤدي إلى فقدان الذاكرة و الهلاوس السمعية والبصرية والفكرية .
  • اضطرابات في القلب والذبحة الصدرية وارتفاع في ضغط الدم وانفجار الشرايين .
  • أحداث عيوباً خلقية في الأطفال حديثي الولادة .
  • أن المخدرات هي السبب الرئيسي في الإصابة بأشد الأمراض خطورة مثل السرطان ، والايدز(6) .

رابعاً :ـ الأضرار الاقتصادية :ـ

تشكل تجارة المخدرات وإدمانها والمشكلات التي تنجم منها خطراً جسمياً يهدد الكيان الاقتصادي لدول العالم اجمع فقد أعلنت الأمم المتحدة أن الأموال التي تصرف وتنفق في مجال تجارة المخدرات تقدر بحوالي 300 مليار دولار سنوياً ، ويمكن تقسيم الخسائر الاقتصادية الناجمة عن تجارة المخدرات إلى خسائر ظاهرة وأخرى مستترة وثالثة خسائر بشرية

وتتمثل الخسائر الظاهرة في الإنفاق الظاهر على مكافحة العرفي وخفض الطلب مثل الإدارة العامة للمكافحة والجمارك والسجون وسلاح الحدود والقضاء والطلب الشرعي وبرامج النوعية والتشخيص والعلاج إعادة التأهيل والاستيعاب.

ويتمثل الإنفاق المستتر في التهريب والاتجار والزراعة والتصنيع وتناقص الإنتاج واضطراب العمل وعلاقته والحوادث كما تظهر الخسائر البشرية في العاملون في حقل المخدرات والمدمنون والمتعاطون والضحايا الأبرياء . وهذه كلها خسائر يصعب تقديرها أو حصرها بدقة(7) .

خامساً :ـ الأضرار السياسية :ـ

المخدرات لها أضرار تصيب الأمن القومي نتيجة تعاطيها والاتجار فيها وتهريبها ، فهذه المواد ما هي إلا سلاح في يد الأعداء لا تقل فتكاً وتدميراً عن أي سلاح حديث عرفته الحروب المعاصرة .

فهي سلاح لا يصيب المحاربين فقط بل يتعدي الأمر الأمنيين أيضاً لذا لم تتورع بعض الدول عن استخدامها لكسر شوكة الشعوب وتهديد مقوماتها وتعويض كيانها الداخلي ، وقد تلجأ دولة إلى استخدام هذا السلاح للنيل من الدولة التي تحاربها .

ويمكن القول أن ابرز الإضرار السياسية للمخدرات هي :

  1. أصبحت المخدرات وسيلة العدو والاستعمار في النيل والقضاء على بعض الدول المعادية لأفكاره ونشاطاته.
  2. تجنيد بعض المتعاطين والمدمنين للمخدرات لغرض الجوسسة والقيام ببعض الأعمال الإرهابية والتخريبية .
  3. عدم ممارسة الحق الطبيعي في تقرير مصيره وسياسات وطنه .

أســــباب انتـــشـار المخـدرات

لانتشار المخدرات أسباب مختلفة منها ما يتعلق بطبيعة هذه المواد أو شخصية متعاطيها ، وظروف البيئة ، والسياسة الاستعمارية في العالم المعاصر وهي بحسب رأي الخاص السبب الرئيسي وراء انتشار آفة المخدرات في العالم العربي والإسلامي فلقد كان لاستعمار ومخططاته لاستعباد العالم الإسلامي والدول النامية عموماً أثر كبير في انتشار المخدرات على نطاق واسع من أجل السيطرة عليه بشل طاقات الأمة وقتل نفوس أفرادها كما فعلت بريطانيا عندما شجعت على زراعة الأفيون في الهند ومصر ، وكما فعلت من أجل السيطرة على الصين عندما أوحت إلى عملائها بزراعة الحشيش في أراضيها والذي مكنها من استعمار الصين أكثر من ثلاثة قرون .

كما تستخدمها دول أخرى كسلاح فتاك للتأثير في دولة مجاورة كما فعلت إسرائيل بتشجيعها لزراعة المخدرات وتسهيل نقلها إلى مصر ، وتوفيرها بأسعار رخيصة لهدم الشباب و إقصائهم عم عمليات التنمية والتطوير .

وإضافة إلى هذا السبب الرئيسي لانتشار المخدرات هناك أسباب أخرى تسهم في انتشار هذه الظاهرة نذكرها منها :ـ

  • المكاسب الضخمة من جراء زراعة وصناعة وتجارة الخمور والمخدرات ودور اليهود بتشجيعهم للزراعة وإيجاد عصابات التهريب أو في إيجاد المستهلك وذلك عن طريق سيطرتهم عن أجهزة الإعلام .
  • التأثر السلبي بالحضارة الغربية ، ومحاولة التشبه بأنماط غربية عن المجتمع العربي المسلم .
  • أدت العولمة الاقتصادية والتكنولوجية إلى التوسيع من نطاق العمل الإجرامي على المستوى الدولي خاصة تجارة المخدرات(8).
  • ضعف التوعية الإعلامية بأخطار ومضار المخدرات ، وحول طرق الوقاية من المخدرات .
  • غفلة المشرع في بعض الدول بتخفيف العقوبات الجنائية عن المدمن حالة ارتكابه لجريمة ما ، ساعد على انتشار المخدرات والمسكرات بوجه عام .
  • ضعف الوازع الديني .
  • عدم استغلال أوقات الفراغ بأشياء مفيدة
  • الاعتقاد الخاطئ بعلاقة المخدرات بالجنس .
  • أصدقاء السوء .
  • التفكك الأسري .
  • الهروب من المشكلات .
  • مجاملة الآخرين على سبيل التجربة .
  • استخدام بعض الأدوية دون استشارة طبية .
  • توافر المال وسهولة الحصول عليه .

ومن الملاحظ هنا أن أغلب المدمنين هم من شريحة الشباب وتتراوح أعمارهم ما بين 15 إلى 40 عاماً .

طرق التهريب و أساليبه

تتنوع الأساليب المستخدمة في نقل المخدرات وتهريبها ـ تنوعاً متبايناً حسب الإمكانيات المتاحة للمهربين ، وعاداتهم وتقاليدهم المحلية لا ونوع المخدرات المهرب وحجمه ، وبقدر حجم المعلومات المتوافرة من هذه العناصر الثلاثة يمكن لأجهزة المكافحة الوطنية تحديد الأسلوب المستخدم في التهريب ، ومن ثم إمكانية الاستعداد له و إحباط خطط المهربين .

وليست هناك قاعدة ثابتة ، أو أسلوب محدد يحكم تصرفات المهربين في نقل المخدرات إلى أيدي المستهلكين ، فكل يوم تكشف أجهزة المكافحة شكلاً جديداً من حيل المهربين .. ويمكن القول أن تجار المخدرات ومهربيها في استطاعتهم اللجوء إلى شتي الطرق لتوصيل المخدرات إلى المستهلكين لان الأرباح التي يحققونها أرباح خياليه تستحق منهم المغامرة  ومهما تعددت حيل المهربين و أساليبهم في إخفاء المواد المخدرة إلا أنها لا تخرج عن السبل الآتية :ـ

  1. التهريب الفردي :ـ

يتم خلال الركاب في السفن ، والطائرات ، وبشحنات صغيرة من المواد المخدرة ، على أجسامهم ، أو في أماكن حساسة منها ، أو في مخابئ سرية بحقائبهم ، و أمتعتهم ، وملابسهم ، فمن الممكن أن يكون المخدر بين طيات شعر الإنسان ، أو داخل الأمعاء ، أو بين طيات الملابس ، أو في كعب الحذاء ، كما ضبطت كمية من المخدرات في لعب الأطفال ، أو بين طيات ملابس طفل رضيع تحمله أمرآة .

ومن الوسائل التقليدية تهريب المخدرات داخل الآلات تصوير ، أو أنبوب احمر شفاه ، أو قداحة سجائر ، و بالإطراف الصناعية والساعات و الأقلام …. الخ

وفي أغلب الأحيان يسافر المهرب إلى حيث يحمل المخدر جواً أو بحراً إلى إحدى الدول المعروف عنها عدم إنتاجها المواد المخدرة (ترانزيت) للتمويه ثم يعود إلى الدولة المراد إدخال شحنة المخدرات إليها ، حتى يكون بعيداً عن موطن الشبهات .

  1. التهريب بالطرق البحري :ـ

بدأت هذه الأساليب بنقل المخدرات على ظهور الدواب و الإبل أو بوضع اسطوانات المخدرات داخل بطون الإبل ، ثم تطورت بتطور وسائل النقل المختلفة إلى استخدام السيارات وشاحنات النقل الكبيرة ، والثلاجات ، عبر الحدود المختلفة و أصبحت السيارة اليوم وسيلة نقل تقليدية ، يستخدمها المهربون ، بعد أعداد مخابئ سرية فيها يصعب اكتشافها في السقف و الأرفف و الأبواب والمصابيح الأمامية والخلفية ، ومصفاة الهواء ، والزيت ، و الإطارات الأصلية والاحتياطية ، وجهاز التكييف وحاجز الشمس والمحرك ، وعجلة القيادة …

ومن النماذج الشائعة في التهريب ، عبر المنطقة العربية الآن استخدام المهربين للبرادات الكبيرة التي تستعمل في نقل الخضروات والفواكه في نقل شحنات من الحشيش اللبناني إلى مصر عبر سورية و الأردن من ميناء العقبة إلى ميناء السويس أو عبر المملكة العربية السعودية من ميناء جدة إلى السويس وهناك شاحنات تتحرك من لبنان مخبأ بها كميات من المخدرات إلى السويس وتركيا ثم بلغاريا و يوغسلافيا ثم إلى باقي الدول الأوروبية المستهلكة .

  1. التهريب بطرق الجو :ـ

تنتقل المخدرات باستخدام الطائرات الخاصة و إنزالها بالمظلات في مكان بعيد بمجرد اجتيازها للحدود وتحتاج هذه الطريقة إلى إمكانيات مادية كبيرة للمهربين ، وقد تنتقل الشحنة مباشرة من مكان الإنتاج إلى مكان الاستهلاك أو تنتقل من مكان الإنتاج على ظهر إحدى السفن ثم يعاد نقلها بإحدى الطائرات المروحية من ظهر السفينة في عرفي البحر لاجتياز الحدود بها وإنزالها في مكان معين متفق عليه .

وقد يكون التهريب باستخدام طائرات الركاب أو طائرات نقل البضائع من خلال حقائب الركاب ، أو داخل البضائع ، ويتم شحنها جواً من مناطق الإنتاج إلى مناطق الاستهلاك بأسماء أشخاص ليس لهم نشاط مسجل في أجهزة المكافحة أو باسم بعض الهيئات التي تتمتع بتيسيرات جمركية ، أو باسم بعض السفارات أو الدبلوماسيين ، ممن لهم حصانة دبلوماسية ، كما يلجأ المهربون إلى إخفاء المخدرات في أماكن سرية بجسم طائرة الركاب ، ثم يتولى عمال النظافة وتموين الطائرات مهمة إخراجها ، وتهريبها خارج الدائرة الجمركية عندما تسنح  الفرصة لذلك .

  1. التهريب بطريق البحر :ـ

وهي أكثر طرق التهريب أمناً ، وتستخدم لنقل شحنات المخدرات الضخمة من الأقاليم التي تربطها خطوط ملاحية ، وقد يكون التهريب باستخدام مراكب نقل البضائع عن طريق إخفاء المخدرات ، داخل طرود مشحونة من دولة إلى دولة أخرى بأسماء أشخاص لا يرقى الشك إليهم أو بعض الهيئات إلى تتمتع بحصانات خاصة ، أو باستخدام بعض الحيل للهروب من التفتيش الجمركي عند التخلص على هذه البضائع مثلما يحدث عند شحن طردين متماثلين في الشكل والحجم والوزن أحدهم يقم تفتيشه و إنهاء إجراءاته الجمركية والثاني هو الذي يتم تهريبه ويكون بداخله شحنة المخدرات تم تعاد إجراءات استخراج الطرد الأول مرة ثانية ، كما يمكن إخفاء المواد المخدرة في أماكن سرية داخل وسائل المواصلات المختلفة التي يتم شحنها من دولة الإنتاج إلى دولة الاستهلاك ، أو داخل الآلات الصناعية ، أو يتم التهريب بواسطة أفراد طاقم الفنية على أجسامهم أو في أماكن سرية . و الظاهرة الجديدة هي استخدام سفن أعالي البحار في تهريب كثير من المخدرات وفي غالبية عمليات النقل البحرية يتم النقل بسرية مطلقة ويتم تغليف المخدرات جيداً بأكياس من البلاستيك أو النايلون ، وتوضع داخل إطارات من الكاوتشوك حتى لا ينفد إليها الماء أثناء عمليات النقل أو التفريغ.

و يضاف إلى كل ما سبق بعض الاتجاهات المستحدثة في مجال تهريب المخدرات ما يلي :ـ

  • اتجاه كبار منتجي المخدرات ومهربيها إلى طلب أعداد سفن مصممة خصيصاً لنقل الشحنات الضخمة من المخدرات ، أو الطائرات خاصة لاستخدامها في التهريب .
  • إخفاء المخدرات داخل الحاويات الضخمة إلى تحملها السفن البخارية بعد تغطيتها ببضائع مشروعة .
  • اتجاه عصابات تهريب المخدرات إلى أراضي جديدة كمعابر أو ممرات جديدة للتهريب .

ويلاحظ في مجال مكافحة تهريب المخدرات استخدام التقنيات الحديثة وثورة الاتصالات من خلال نقطتين محددتين وهما :ـ

  1. الأقمار الصناعية .

أفرزت تكنولوجيا القرن العشرين أنماطاً متطورة من العقول الالكترونية و الأقمار الصناعية ، ويمكن استخدامها في الكشف عن الزراعات غير المشروعة ومعامل و مختبرات المخدرات التخليقية .

  1. الاستشعار بعد :ـ

أن وسائل الاستشعار عن بعد أحد التطبيقات التكنولوجية الحديثة التي أمكن تطبيقها بالفعل في مجال الكشف عن النباتات الممنوع زراعتها قانوناً(9)

 

الجهود الليبية لمكافحة المخدرات سابقاً

تنحصر أجهزة مكافحة المخدرات في أي دولة في عدد من الأجهزة من أهمها :ـ

  1. أجهزة الأمن الداخلي : وتتجه معظم الدول إلى وجود إدارة (جهاز) متخصصة في شؤون مكافحة المخدرات .
  2. القوات المسلحة : غالباً ما يوكل أمر مكافحة تهريب المخدرات إلى القوات المسئولة عن حراسة الحدود ، والمواني البحرية والجوية والبرية .
  3. أجهزة الجمارك .
  4. المعامل العملية ، و الأجهزة المختصة بالشؤون الدوائية ، هذه إضافة إلى الأجهزة الأخرى المعنية بمكافحة المخدرات ، بأساليب غير مباشرة ، وهي الأجهزة المسؤولة عن الوقاية والعلاج والتوعية ، و الإعلام .

وفي ليبيا نالت هذه المشكلة عناية كبيرة من قبل المشرع الليبي ، حيث صدرت عدة قوانين بشأن المخدرات وعقوبتها ومنها :

  • القانون الليبي الذي صدر في سنة 1953 ف
  • القانون الليبي بشأن مكافحة المواد المخدرة في سنة 1956 ف و عُدل هذا القانون سنة 1963 وصدر القانون رقم 23 لسنة 1971 بشأن المخدرات .
  • القانون رقم 7 لسنة 1990 ، بشأن المخدرات والمؤثرات العقلية والذي ينص على أن عقوبة الاتجار والترويج الإعدام أو السجن المؤبد .
  • قرار أمانة اللجنة الشعبية العامة (114) لسنة (2006 ف) بشأن إنشاء جهاز مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية ، ويتولى هذا الجهاز مكافحة ظاهرة المخدرات والمؤثرات العقلية ، وتنفيذ التشريعات المتعلقة بها واقتراح وتنفيذ ومتابعة الخطط التفصيلية ـ الكفيلة بالتصدي لهذه الظاهرة بهدف القضاء عليها ، كما يتولى علاج وتأهيل المدمنين بالطرق العلمية المناسبة(11) .

وبالنظر إلى الكميات التي يتم ضبطها من قبل أعضاء جهاز المكافحة نرى أن هذا الجهاز قدم ولازال يقدم مجهودات مميزة وواضحة للقضاء على هذه الآفة الخطيرة واجتثاثها من المجتمع باعتبارها من أسلحة الدمار الشامل .

ولا ننسى دور الكبير الذي تقوم به الجمعية الوطنية الليبية لمكافحة المخدرات في مجال توعية الشباب بخطر هذه الظاهرة الهدامة هذا إلى جانب دور الأجهزة الإعلامية والتي قامت بزيادة جرعة البرامج التي تهدف إلى إظهار جوانب مشكلة المواد المخدرة وإدمانها وأثارها على الفرد والمجتمع بهدف إيجاد حل للحد من تفاقم هذه المشكلة .

ويمكن القول أن هناك جهوداً تبذل من قبل أجهزة الدولة وفق سياسة مكافحة العرض والترويج للمخدرات من خلال الضبط المروجين والتجار ، وكذلك بالوسائل الطبية عبر تقديم العلاج للمدمنين وإيوائهم في مصحات علاجية متخصصة ، ومنها مصحة تاجوراء سابقا .

وحسب تقرير أعدته صحيفة العربي الجديد أن نسبة إدمان المخدّرات بين تلاميذ المدارس في ليبيا ارتفعت مؤخرا ، خصوصاً الحبوب المهدّئة، ما يتطلب جهوداً أكبر من قبل الأهل والمدارس والدولة، والسعي إلى حماية الأطفال، في ظل الظروف الأمنية التي تمر بها البلاد .

وبحسب دراسة لجهاز مكافحة المخدّرات صدرت في عام 2016 ، وشملت 229 تلميذاً تتراوح أعمارهم ما بين 12 و17 عاماً في 14 مدرسة، تبيّن أن نسبة مدمني الكحول هي 2 في المائة، والحشيش 1 في المائة، والحبوب المخدرة 3 في المائة، ما يشير إلى ارتفاع نسب الإدمان بين تلاميذ المدارس، ولوحظ زيادة إقبال الأطفال على حبوب الترامادول لأن أسعارها رخيصة، ومفعولها سريع، كما أنها منتشرة بكثرة، وفي إحصائيّة لمركز مكافحة الإيدز، كان لافتاً وجود إناث بين المدمنين على المخدرات[1].

الفوضى تغرق ليبيا بالمخدرات وحبوب الهلوسة

قبل أحداث ثورة 17 فبراير عملت ثلاث مصحات حكومية في علاج الإدمان، أهمها مستشفى الرازي للأمراض النفسية في العاصمة طرابلس (قسم زياد لعلاج الإدمان)، ومركز علاج ورعاية المدمنين في مدينة تاجوراء التي تعد البوابة الساحلية الشرقية للعاصمة، ومصحة الإرادة لعلاج الإدمان التابعة لمستشفى الأمراض النفسية بمنطقة الهواري في مدينة بنغازي شرقي ليبيا، “غير أن المراكز الثلاثة المتخصصة أُقفلت ولم تعد تعمل منذ سبع سنوات”، كما يقول الدكتور رجب أبو جناح، مضيفا “تم حل جهاز مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية بقرار حمل رقم (142) لسنة 2012 أصدره مجلس الوزراء الليبي التابع للمجلس الانتقالي الذي تولى قيادة الدولة أثناء وعقب الثورة، وتم نشر القرار في العدد 17 لعام 2012 من الجريدة الرسمية، ونصّ القرار في مادته الأولى على أن يُحل جهاز مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية وتغل يده عن مزاولة أي نشاط وتؤول أصوله وموجوداته وأرصدته واختصاصاته والموظفون لوزارة الداخلية”، لكن الجهاز يعمل في بعض المدن في المنطقة الشرقية والغربية بمبادرات من المجالس المحلية.

ويبدي الراي العام امتعاضهم من كون جهاز مكافحة المخدرات ما يزال في حكم المعطل إذ تم حجب الدعم المالي عنه منذ صدور قرار بحله عقب ثورة 17 فبراير وسيطرة المليشيات عليه  فدخل قادة ميليشيات ليبية ( بعضها مرتبط بتنظيمات جهادية )  على خط منافسة شبكات محلية ودولية لتجارة المخدرات في حوض البحر المتوسط، انطلاقًا من سواحل غرب ليبيا، ما دفع جهازين أمنيين أوروبيين على الأقل، إلى طلب السماح لهما بتعقب أفراد من هذه الشبكات داخل ليبيا ، بعدما استغلوا الفوضى التي تضرب هذا البلد شاسع المساحة طويل السواحل قليل السكان، لزيادة حجم تجارتهم عبر شراكات مع الميليشيات المحلية.

وفي طرابلس، بلغ ثمن الكيلوغرام من آخر شُحنة حشيش اسمه «المعجون الأفغاني»، وصلت إلى سواحل بلدة زوَّارة المجاورة، إلى 25 ألف دينار (18 ألف دولار تقريبًا بالسعر الرسمي)، بينما بلغ سعر الكيلوغرام من الهيروين، ويطلق عليه التُّجار هُنا اسم «الغبرة البيضاء»، 100 ألف دينار. وانتشرت تجارة الدولارات المزيفة على نطاق واسع، وبلغ سعر الدولار المزيف من النوع الذي يطلق عليه «الصيني» دينارين ليبيين، بينما النوع الإسرائيلي الأقل جودة، وصل إلى نحو 1.3 دينار. وتكافح حكومة الوفاق الوطني، التي يرأسها فايز السراج، للسيطرة على البلاد، لكنّ المُهمة تبدو صعبة.

ويبلغ السعر الرسمي للدولار الأميركي في المصارف الليبية 1.4 دينار، لكن من النادر الحصول عليه بسبب المصاعب الاقتصادية والسياسية. ويزيد سعر الدولار في السوق السوداء على 6 دنانير. ووفقًا لتقارير أمنية ليبية وخُبراء مصرفيين، لوحظ أن غالبية القيادات التي تدير تجارة المخدرات على علاقة بميليشيات مدججة بالأسلحة، بينها ميليشيات محسوبة على تنظيمات إرهابية ويقول عمرو فركاش ، الخبير الاقتصادي الليبي والمصرفي الإقليمي: «حين يكون هناك متطرفون ، يزداد مثل هذا النشاط [2].

وتزخر العاصمة طرابلس وبلدات مجاورة لها بعشرات الميليشيات ذات التوجهات المتباينة، لكن يبدو أن الحاجة إلى المال دفعت بعضًا منها إلى التعاون في ما بينها، من دون النظر إلى المرجعية المذهبية أو الجهوية أو حتى القبلية ، فالتيارات المتطرفة أصبحت في الفترة الأخيرة تسمح بالاتجار في المخدرات من أجل توفير الأموال… لو لدى ميليشيا من الميليشيات بضع مئات من المقاتلين، فمن أين ستنفق عليهم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها ليبيا؟.
وكانت الدولة كلفت ميليشيات بحماية المؤسسات العامة عقب مقتل معمر القذافي، في مقابل منح رواتب لعناصرها، إلا أن أمورًا كثيرة تغيرت بعد نحو ست سنوات، بما فيها ولاء الميليشيات، وأصبح من الصعب الاستمرار في منح أموال لقوى غير مضمونة، أو أخرى تنظر إليها أطراف دولية بوصفها ميليشيات متطرفة، خصوصًا بعد تولي حكومة السراج مقاليد السلطة في طرابلس. كما أن فوز الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ساهم على ما يبدو، منذ مطلع هذا العام، في كبح التدفق المالي الذي كانت تمنحه الدولة للميليشيات من دون تفرقة تُذكر.

ومع هذا الشُّح في مصدر التمويل الرئيسي للميليشيات، اتجه كثير من زعمائها إلى البحث عن مكاسب مالية سريعة حتى لا ينفرط عقد القوات التي تحت أيديها. واستغلت عناصر متعطشة للأموال من المافيا الدولية، الحالة الليبية الجديدة. حيث ان زيادة نشاط المافيا الإيطالية وسماسرة البحر المتوسط أمر متوقع، لأن الطرف المقابل في ليبيا، وأقصد به الميليشيات، اتجه بقوة إلى تجارة المخدرات للحصول على أموال تغطي نفقات هذه الميليشيات، خصوصًا بعد التضييق عليها من جانب مصارف ليبية، وتراجع نشاط الهجرة غير الشرعية من سواحل غرب طرابلس.
ومن المعروف أن آلاف السجناء الجنائيين، وبينهم تجار مخدرات، فروا من السجون أثناء الانتفاضة المسلحة ضد القذافي. ومنذ ذلك الوقت، لم توجد سلطة قوية لإعادتهم إلى السجون مرة أخرى، وانضم معظمهم إلى الميليشيات أو كوَّن ميليشيا خاصة به حتى يعرقل أي عودة للدولة .

ورغم علم السلطات الأمنية بتحركات هذه الصفقة منذ البداية، فإن إمكانياتها الضعيفة، لم تمكنها من القيام بأي إجراء. وبعد أيام انتشر باعة التجزئة في العاصمة وهم يروجون الصفقة، قائلين وهم يتغزلون في مواصفات الهيروين، إنها «غَبرة بيضاء نقية تُنسيك الحياة في طرابلس ومآسيها». وتعاني العاصمة من انقطاع الكهرباء والمياه وعدم انتظام خدمة الهواتف والإنترنت، إلى جانب الاشتباكات الليلية بالأسلحة الثقيلة بين المتنافسين على التحكم في المدينة.
وتتنازع على السُّلطة في ليبيا حكومتان  واحدة  في طرابلس، هما حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج ، والأخرى الحكومة المؤقتة في مدينة البيضاء شرقًا برئاسة عبد الله الثني. وتدعم كلُّ مجموعة من الميليشيات ، حكومة من الحكومتين الموجودتين في ليبيا ، الأمر الذي أدى إلى إيجاد فرصةً للتوسع وتقوية النفوذ للمليشيات .

وعلى خلفية هذا الصراع، دخلت صفقة مخدرات كبيرة عبر سفينة قادمة من البحر، ورست في ميناء زوَّارة ، وتقدر قيمة الكمية بنحو 10 ملايين دينار، وفقًا للمصدر الأمني. وجرى سداد جانب من قيمة الصفقة مقابل براميل نفط مسروقة من الحقول الليبية، بحساب سعر البرميل 70 دينارًا، إضافة إلى بضعة آلاف من صناديق زيوت المحركات المَنْهُوبة من مخازن الدولة بسعر 40 دينارًا للصندوق[3].

وسبب هذه الفوضى هو عدم وجود قوة لتطبيق القانون ، وكذلك الحدود مخترقة، ويسهل تداول المخدرات على ساحل المتوسط ومع دول الجوار.

التوصيات

واستناداً على أن الإنسان هو المستهلك و أحد عناصر السوق ، وان بإصلاحه و احتوائه لن تجد المخدرات و لتحقيق بذلك ينبغي أن نعمل على تحقيق المطالب الآتية :ـ

  1. تحصين الشباب وذلك بتعبئة سياسياً وثقافياً و روحياً .
  2. تطوير و تجديد مناهج البحثالعلمي بالخصوص و تعميمها على مختلف مراحل التعليم بما يلبي حاجات الشباب والفكرية .
  3. الرفع من مستوى الحس الوطني لدى الشباب بتحسسهم بمخاطر الظواهر الهدامة خاصة ظاهرة تعاطي المخدرات .
  4. تفعيل دور المؤسسات الشبابية والأهلية بما يحقق تحصين الشباب واستثمار أوقات فراغهم .
  5. تطبيق مبدأ (الوقاية خير من العلاج) خيار استراتيجي لمواجهة المخدرات .
  6. دعم جهاز مكافحة المخدرات بشرياً ومادياً و فنياً .

الخـــاتــمـة

في الختام نؤكد على أن هذا البحث المتواضع والعديد من الدراسات والبحوث التي تناولت هذا الموضوع نشير إلى تفاقم مشكلة المخدرات في المنطقة العربية ، وان كان هذا يدل على شيئ فهو أن المخدرات حرب معلنة تستهدف شبابنا بغية تعطيل قدراتهم ، وطاقاتهم ، وإبداعاتهم ، ولتقيل من حبهم و انتمائهم للوطن ، وللنيل من ديننا ، وخطراً يهدد استقرار الفرد والمجتمع .. و لاتقاء شر هذه الآفة الخطيرة ، كان لزاماً علينا أن يكون شعارنا بناء جيل قوي علمياً وصحياً وفكرياً يحمى قيمنا  ثوراتنا ويقودنا من التخلف إلى التقدم والازدهار .


 المراجع

(3) علي الرويحي ، المخدرات و المؤثرات العقلية ، بنغازي الجمعية الوطنية الليبية لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية ، 2002 مسيحي .

(4) محمد بن إبراهيم الحسن ، “المخدرات والمواد المشابهة المسببة للإدمان ” الرياض 1988 م .

(5) فرج محمد نصر بن لأمة ، المخدرات من منظور حقوق الإنسان ، مجلة الدراسات . س 3 ، ع 11 ، 2002 ، ص 82 .

(6) وتشيد المصادر إلى أن كل عشر أشخاص من المصابين بالايدز فيهم شخص واحد أصيب به سبب تعاطي المخدرات المؤثرات العقلية .

(7) مصطفى  سويف ” المخدرات والمجتمع ، نظرة تكاملية ”  عالم المعرفة ، العدد الرقم 205 الكويت ، شعبان 1416 هـ / يناير كانون ثان 1996 .

(8) ـحمد خروع ، العولمة والسيادية ، المجلة الجزائرية للعلوم القانونية والاقتصادية والسياسية ، جامعة الجزائر ، ص 57 .

(9) محمد أحمد عبد الهادي و آخرون “استخدم وسائل الاستشعار عن البعد الكشف عن النباتات المخدرة وحصر زراعتها” ، مجموعة وثائق القدوة العلمية حول تطوير أساليب الكشف عن المخدرات وسوء استعمالها ، المنظمة العربية للدفاع الاجتماعي من الجريمة ، يناير 1985 .

(11) قرار اللجنة الشعبية رقم (114) لسنة 1374 و.ر (2006 ف) إنشاء جهاز مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية .

[1] مجلة العربي الجديد

[2] أحمد ناصر مقال تم نشره في موقع بوابة ليبيا

[3] عبد الستار حتيتة مقال تم نشره بوابة ليبيا


#فريق_البحث_العلمي_بالمركز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى