الدراسات والبحوث

بريطانيا ودورها في صنع الإرهاب بدولة ليبيا

أثناء الحرب الأفغانية ضد الروس،كانت معسكرات التدريب بمنطقة بيشاور تضم أعداد من الشباب العرب،وفي الوقت نفسه كانت المنطقـة  مسرحاً للعمليات الإستخباراتية،وقد تواجدت المخابرات البريطانية في تلك الساحة،تدعم وتشرف على  التدريب في بعض تلك المعسكرات،وتعمل أيضاً على اختيار العناصر للإستفادة منها في عمليات إرهابية ضد بلدانها  وقت اللزوم .

بعد انتهاء الحرب والاستغناء عن دور من أُطلقت عليهم تسمية ( العرب الأفغان ) وإعلان الحكومة الباكستانية طردهم من أراضيها في منطقة بيشاور حيث كانوا يقيمون معسكراتهم،بدأ بعض البسطاء المغرر بهم من أولئك العرب في العودة إلى بلدانهم،أما الجبناء والمتعطشين منهم للدماء قرروا البحث عن مأوي تحميهم،وممولين يدفعونهم لتحقيق رغباتهم،فانتبهت أو نُبهت المخابرات البريطانية لهذه الفرصة الثمينة لعلها تستطيع بها توجيه ضرباتها وعملياتها إلى ليبيا،وقد ثبت في التحقيقات ( اعترافات المتطرف إدريس شلبي )  التي تعني في مضمونها أن المخابرات البريطانية سارعت بتحريك اثنين من عملائها الليبيين المرتمين في أحضانها من زمرة بائعي الضمير وهما ( سالم الحاسى ـ امحمد المقريف ) وإرسالهما إلى أفغانستان،لإستقطاب بعض الليبيين وإحضارهم إلى بريطانيا،وهناك تقابلا مع بعض عناصر قيادات تنظيم ما يسمى ( سرايا المجاهدين ) الذي أسسه الليبيين، وبالتحديد مع ( عبد الحكيم الصادق الفيتورى ـ المكنى أيوب الصادق / سامى مصطفى الساعدى ـ المكنى ابو المنذر )،وعرضا عليهما أنه بإمكانهما التوسط لدى السلطات البريطانية للمساعدة في استقبال عدد من الشباب  الليبيين في بريطانيا،وفي نفس السنة وأثناء موسم الحج تقابل المدعو ( سالم الحاسى ) مع المدعو( عبد الحكيم الصادق ) في السعودية وناقشا نفس الموضوع،وتم الإتفاق على سفر عدد من المتطرفين الليبيين إلى بريطانيا .

خلال سنة 1993م انقسم تنظيم ما يسمى سرايا المجاهدين إلى تنظيمين،بل أُريد له أن ينقسم ( فرِق تسُد ) إحداهما أصبح يسمى (الجماعة المقاتلة) ترأسه المدعو ( عبد الحكيم الخويلدى بلحاج ـ المكنى صلاح الدين ) ومسئول ما يسمى الجناح الشرعي فيه هو المدعو ( سامي الساعدي )،والثاني يسمى ( أنصار الله ) ترأسه المدعو ( عبد الحكيم الصادق ) ومسئول ما يسمى مجلس الشورى فيه هو المدعو ( يوسف القماطى ـ المكنى عيسى عبد القيوم ) ، وفي نفس السنة سافر ( سامي الساعدي ـ يوسف القماطى ) إلى بريطانيا كل منهما ترافقه مجموعة،وسافر مسئولا التنظيمين ( عبد الحكيم الخويلدى  ـ عبد الحكيم  الصادق ) إلى السودان كل منهما يرافقه ما تبقى معه من عناصر التنظيم الذي يترأسه،وأصبح مسئول كل تنظيم على اتصال بمجموعته في بريطانيا،وأصبحت المجموعتان اللتان تواجدتا على الساحة البريطانية متنافرتان وتحت الإشراف المباشر للمخابرات البريطانية كل منها في معزل عن الأخرى تتلقيان الدعم المالي والتوجيه في كيفية التسلل وإعداد الخطط لعمليات إرهابية داخل ليبيا،وأصبح مسئولي المجموعتان في بريطانيا بمثابة حلقة الوصل بين المخابرات البريطانية ورئيسي التنظيمين في السودان،تؤمن  الإتصال وتنقل الأموال والتعليمات،وأكثر تركيز للمخابرات البريطانية كان على عناصر الجماعة المقاتلة،بأن منحوا عناصر تلك الجماعة حق الإقامة وحرية الدخول والخروج من والى بريطانيا ، وأفسحوا لهم المجال لطباعة وإصدار المطبوعات المعادية لدولة ليبيا ( مجلة الفجر ـ مجلة المسلم ـ بيانات إعلامية ) وتوزيعها في بعض دول أوربا وتسريبها ليبيا [1].

لم تنسى المخابرات البريطانية ارتباطاتها السياسية،وبالتالي تحاول في مثل هذه الأمور أن تجعل غطاء يجنبها الإحتجاج الدولي بدعمها للإرهاب،فمثلما عمدت في باديء الأمر تحريك عنصرين من أصحاب الأفكار المتطرفة للإتصال بالمتطرفين في بيشاور وإحضارهم إلى بريطانيا وربطهم بمحامى ليبي يدعى ( على أبوسدره ) من المتطرفين هناك بحجة رعاية شئونهم القانونية,رغم أن جميعهم دخلوا بريطانيا بوثائق وتأشيرات مزورة بعلم السلطات البريطانية،وزادت من حبك اللعبة أكثر،بأن عملت على تقوية روابط الصلة بينهم وبين بعض عملائها من العرب من نفس الفصيلة على الساحة البريطانية وهم ( الفلسطينى المكنى أبو قتاده ـ السوري المكنى أبو مصعب ـ التونسي المكنى أبو إنصاف ) وجعلت بالتحديد من الفلسطيني المكنى( أبوقتاده ) وسيطاً بينها وبين الليبيين المذكورين،وأوكلت له مهمة الإتصال بهما كي يكون الدعم بطريقة غير مباشرة لمسئول الجماعة الليبية،وحتى يفهم المغفلون الذين يحركهم أنها تبرعات خيرية مثلما يدعى لهم،وعلاوة على ذلك وفرت المخابرات البريطانية لهم ولعناصرهم السكن والمرتبات الشهرية بواقع ( 95 جنيه إسترليني ) للمتزوج،تحت ساتر أنها تدفع من مكتب الرعاية الاجتماعية[2].

وبهذا الأسلوب استطاعت المخابرات البريطانية أن تستغل الظروف وتدفع بعناصر إرهابية ليبية لإنشاء قواعد في دولة حدودية مع ليبيا ( السودان ) يرعاها ويشرف على حركتها وتوجيههـــا عملاء للمخابرات الخارجية البريطانية ( sis 9) ) و الـ ( mi 6 ) لتمكين عناصر المجموعة من التسلل إلى داخل ليبيا،واستطاعت إنشاء فروع لها لتزويدها بالمخططات التخريبية والتمويل الإعلامي والمادي من بريطانيا ويشرف على نشاطها ويقوم بتوجيههــا عملاء للمخابرات الداخلية البريطانية  (mi 5) .

استمرت عملية الترتيبات الإعلامية لطباعة المنشورات المضللة،والبحث عن الأسلحة والمتفجرات،وإعداد عناصر للعمليات التخريبية والإرهابية وتسريبها إلى داخل ليبيا ما يقرب من سنة ونصف أي من نهاية سنة 1993م حتى منتصف سنة 1995م ، وخلال هذه الفترة تم تسريب بعض العناصر الإرهابية وأوكلت لها مهام  محددة .

كانت أجهزة الأمن في ليبيا تتابع هذه المعلومات والتحركات،وفي النصف الأول من سنة 1995م ارتفع مؤشر الخطر،بالحصول على معلومات عن مخطط إرهابي يستهدف أشخاص مسئولين في الدولة،وبعض المؤسسات الإستراتيجية العامة،وبعض الأجانب المقيمين في ليبيا،حيث أثبتت اعترافات بعض العناصر من المجموعة الإرهابية الذين تسللوا وتم القبض عليهم أن عدد من الجرائم التي كانت مسجلة ضد مجهول كان قد أرتكبها عناصر من مجموعتهم ،بقصد خلق بلبلة والرعب بين المواطنين، وإحراج ليبيا مع بعض الدول، وتمكنوا من تنفيذ جزء من ذلك المخطط .

* جريمة مقتل السائح الألماني وزوجته بمنطقة الهيشه قام بتنفيذها المدعو رجب عرفه الهدار وآخرون .

*  جريمة مقتل السائح الأجنبي بمنطقة الكفرة قام بتنفيذها المدعو رجب عرفه الهدار وآخرون .

* جريمة الاعتداء على السائح اليوناني بمنطقة البيضاء قام بتنفيذها المدعو فايز ابوزيد الورفلى وآخرون .

* جريمة الاعتداء على مقر الشركة البولندية في بنغازي قام بتنفيذها المدعو عبد الرزاق المجبرى وآخرون .

* جريمة مقتل صاحب محل المجوهرات بمنطقة طرابلس قام بتنفيذها المدعو عطيه جمعه جليل وآخرون .

بالإضافة إلى أن هناك جرائم تفجير واغتيالات كان يتم التحضير للقيام بها،وحالت دون تنفيذها إجراءات القبض التي تمت على المكلفين بها،تم العثور عليها في وثائقهم واعترفوا بها في أقوالهم :-

*  مخطط يستهدف بعض المسئولين في الدولة وقيادات أمنية خطط له المدعو بلقاسم الدباشى وآخرون .

* مخطط لتفجير مقر الخبراء الروس بمنطقة الظهرة بطرابلس خطط له المدعو عادل بن يزه وآخرون .

* مخطط مداهمة معسكر الشرطة العسكرية بطرابلس خطط له المدعو عادل بن يزه وآخرون .

* مخطط لمداهمة مقرات مربعات جهاز الأمن الداخلي بطرابلس ، خطط له المدعوان المولدي التقازي ورضا الزواغي وآخرون .

في بداية سنة 1996م كانت هناك سلسلة من العمليات المركزة المخطط لها مسبقا ( أحداث منطقة الجبل الأخضر ) وقد كشفت الوثائق التي عثر عليها بمنزل المدعو ( منصف بن قندره ) بتاريخ 17-04-1996م أن المدعو ( صلاح فتحي بن سليمان ـ يكنى عبد الرحمن الحطاب ) قد تم الدفع به من قبل قيادة العصابة في الخارج بالدخول إلى ليبيا للإشراف على أعمال المجموعة بالداخل وتنظيم صفوفها والتنسيق بينها وفق المخطط الذي تم وضعه بتقسيم حركة المجموعة في شكل ثلاث قطاعات شرقي وغربي وجنوبي .. وقد واكبت عملية دخول صلاح بن سليمان مجموعة من العمليات استهدفت الهجوم على مقرات الأمن والأماكن العامة نذكر منها  :-

*      الهجوم على مقر القنصلية المصرية بنغازي بتاريخ 04-04-1996م .

*      الهجوم على مقر المثابة الثورية بدرنة بتاريخ 05-04-1996م .

*      الهجوم على موقع لكتيبة الردع المتمركز بمقر ثانوية الشرطة درنة بتاريخ 09-04-1996م .

*      الهجوم على دورية أمن بمدينة بنغازي بتاريخ 16-04-1996م .

*      الهجوم على بوابة الفتائح في مدينة درنة بتاريخ10-05-1996م .

*      الهجوم على البوابة الأمنية منطقة الشلال بدرنة بتاريخ 11-05-1996م .

*      اغتيال ضابط بالأمن الداخلي مقدم مفتاح بعيو بمدينة بنغازي بتاريخ 24-05-1996م .

*      الهجوم على مجموعة الدعم المركزي بمنطقة وادي بومسافـر  بتاريخ 14-06-1996م .

*      اغتيال المواطن على عبد السلام الشهيبية بتاريخ 28-06-1996م .

*      الهجوم على مقر كتيبة الأمن بمدينة طبرق بتاريخ 07-09-1996م .

*      محاولة تفجير مقر المثابة الثورية في مدينة البيضاء بتاريخ اكتوبر 1996م .

بالإضافة إلى عمليات أخرى أُستهدف فيها مواطنون تم فيها السطو المسلح على محلات تجارية وسيارات مواطنين ، منها على سبيل المثال ( السطو على محل مجوهرات بمنطقة بنغازي ـ الاستيلاء على سيارات مواطنين بتاريخ 21-06-1996م ـ السطو على مزرعة مواطن بمنطقة البيضاء بتاريخ 02-09-1996م ) .

في نفس الوقت كان للمكنى ( عبد القادر ) رأى آخر في الترتيب للعمليات الإرهابية بمنطقة طرابلس، يبدوا أن المخابرات البريطانية قد أوعزت له به،حيث أنشأ مجموعة أخرى مكونة من عدد من العناصر بمنطقة طرابلس مفصولة عن قيادة المدعو ( فتحي بن سليمان ) في الداخل،يشرف عليها المدعو ( نجيب الحراري )، وقد أثبتت التحقيقات أنه علاوة على الإتصال المباشر لمسئول هذه المجموعة مع المكنى ( عبد القادر ) في السودان فإن لبعض عناصرها اتصالات بأشخاص إرهابيين في بريطانيا والجزائر .. حيث بتاريخ 25-04-1996م ومن خلال التحريات عن عناصر جزائرية تعمل بتجارة الأسلحة تمت مداهمة منزل المدعو ( نجيب الحراري ) بمنطقة الهضبة بطرابلس وضُبطت به كمية من الأسلحة والمتفجرات،وقد أثبتت نتائج التحقيقات[3] مع  عناصر المجموعة الذين تم ضبطهم أن للمجموعة ارتباط بقيادة ما يسمى الجماعة المقاتلة المتواجدة في السودان،وبعض العناصر من نفس المجموعة المتواجدين في بريطانيا،ولهم تنسيق مع عناصر من الجماعة المسلحة الجزائرية في الجزائر .

باعتبار أن التوجيهات الإستخبارية الصادرة من المخابرات البريطانية لهذه المجموعة،أنه يجب عليهم أن لا يلتقوا إلا في حالات الضرورة وأن لا يتجمعوا في مكان واحد،فقد كانوا متفرقين في مناطق وأماكن مختلفة،وعندما تم مداهمة أحد أوكار تلك المجموعة اختفى الآخرون،وتمكن بعضهم من الفرار خارج ليبيا وبعضهم اختبئوا في الداخل،وعلى ضؤ ذلك قررت المخابرات البريطانية إدخال تعديلات جديدة على أسلوب النشاط الإرهابي الموجه ضد ليبيا .. فالذين هربوا للخارج استقروا في بعض الدول ورتبوا لهم العودة بأسلوب جديد،والذين اختبئوا في الداخل صدرت لهم التوجيهات بترتيب قواعد وإمكانيات تساعد على تنفيذ تلك المخططات .

ففي تاريخ 27-07-1996م تمت مداهمة عناصر من العصابة يتخذون من ورشة لإصلاح السيارات وكراً لهم بمحلة المنشية في مدينة سبها ضبطت فيه كمية من الأسلحة والمتفجرات،بعض عناصر العصابة تبين أن بعضهم قد دخلوا البلاد في تواريخ مختلفة سنة 96 .. فتم ضبط كل من :

ـ      على عبد السميع ابودبـــوس         ـ     عز الدين منصور بن جمعة.

وتمكن من الفرار كل من :

ـ      محمد عبد الله القريـــــــــو.         ـ   عبد الرزاق على الترهونى.

ـ      على سليمان عبد السيــــــد.

وفي تلك الأثناء تمكنت السلطات المصرية من كشف عناصر ليبية تنتمي لما يسمى بالجماعة المقاتلة،وقد بينت نتائج التحقيق أن البعض منهم سبق تردده على أفغانستان للإعداد العسكري،وأنهم قاموا باستغلال الأراضي المصرية كمحطة استقبال للعناصر الزندقية القادمة من السودان عبر سوريا ومصر للتسلل إلى ليبيا لغرض القيام بأعمال إرهابية،وأن هذه العصابة لها قواعد في بريطانيا وتركيا وسوريا لإدارة حركتها ونشاطها،وأن قيادتها تتواجد في بريطانيا،وتدير نشاطها الإعلامي من خلال مكتب بلندن تصدر عنه مجلة الفجر الخاصة بها،وتعتمد في نقل تكليفاتها إلى الداخل على الاتصالات الهاتفية .

تأكد للمخابرات البريطانية أن العمليات التي خططت لها وأوعزت لعملائها مهمة تنفيذها تمهيداً للوصول لهدفها الرئيسي زعزعة الإستقرار في ليبيا،أنها غير ذات جدوى، فعمدت إلى تنفيذ مخططها الإجرامي البديل وهو اغتيال القدافي .. فبتاريخ 23/11/96 تمكن ( (محمد عبد الله القريو ـ  عبد الرزاق الترهوني) من اختراق صفوف الجماهير أثناء استقبالهم للقدافي بمنطقة براك الشاطئ، وقام ( محمد عبد الله القريو ) بإلقاء قنبلة يدوية لم تنفجر، وقد ثبت في التحقيقات أن ( محمد القريو ـ معمر لنقه ) تسللا عبر الحدود المصرية خلال شهر ابريل سنة 96 قادمان من السودان خصيصاً بتكليف مباشر من مسئول العصابة المكنى ( عبد القادر ) لتنفيذ هذه المهمة ، وذهبا مباشرة لمسئول المجموعة في منطقة الجنوب ( عبد الرزاق الترهونى ) لتخبئتهم وتزويدهم بالقنابل،والذي تم التعويض به في العملية عن ( معمر لنقه ) الذي قتل أثناء مداهمة الورشة بمحلة المنشية في مدينة سبها .

هذا ما فعلته بريطانيا سابقا ولكم أن تتخيلوا ما تفعله اليوم من أجل السيطرة على مقدرات الشعب الليبي عبر ضرب مكونات الشعب الليبي في بعضه وتفتيت الترابط الإجتماعي.


المراجع:

[1] مضمون اعترافات ( إدريس شلبى ـ على أبودبوس ).

[2] مضمون أقوال ( ناصر القطوس ـ على أبو دبوس ).

[3] مضمون أقوال ( أحمد محمد رمضان ـ لطفى كرير ).


#فريق_البحث_الامني_بالمركز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى