ادارة الأزمات

ادارة الأزمة الأمنية في ليبيا

توطئة:

تسعى الأجهزة الأمنية وبمختلف أنواعها وبكل دول العالم فور إندلاع أية أزمة أو حدوث أي إختراق أمني ببلدانها إلى بذل أقصى ما تملك من جهد في سبيل إحتوائها للحيلولة دون إستفحالها.

ولذلك تتجه الجهود الأمنية دائماً عند وضع الخطط الأمنية الخاصة بالمواجهة إلى بذل ما في وسعها لتحديد الأزمة الأمنية وعزلها عن كافة العوامل المؤثرة فيها أو حتى التي يحتمل أن تؤثر فيها للحيلولة دون تحقيق هذا الاستفحال الذي لو تحقق لأدى لالتهام كافة جهود المواجهة .

وتأسيساً على ما تقدم يمكننا القول بأن الأزمة الأمنية هي تلك الحالة التي يستفحل فيها الحدث الأمني وتتصاعد فيه الأعمال المكونة له لمستوى التأزم الذي تتشابك فيه الأمور ويتعقد فيه الوضع إلى الحد الذي يتطلب ضرورة تكاثف جهود العديد من الجهات الأمنية لإمكان مواجهته بحكمة وخبرة وقدرة على إحتواء ما يترتب عليه من أضرار والحيلولة دون إنتشاره وذلك لتحقيق الهدف وبأقل قدر من الخسائر وبأقل جهد وتكلفة وضبط الجناة للإستفادة منهم في التعرف على الأبعاد الحقيقية لتلك الأزمة منعاً لتكرارها وانتشارها مستقبلاً .

كما يقصد بالحدث الأمني كذلك كل واقعة أو فعل أو أمر تؤدي عملية التخطيط له أو تنفيذه إلى تهديد حالة الأمن بالمجتمع أو الإخلال به وفي أي مجال من مجالاته المختلفة وبشكل يؤدي في النهاية إلى المساس بنظامه العام .

ولذلك فإن من أهم العوامل التي تساهم وتساعد على تأزم الحدث الأمني سوء مواجهته أمنياً ولأي سبب من الأسباب ويتمثل ذلك في حالة عدم الاستعداد للحدث الأمني نتيجة لقلة المعلومات المنبئة لحدوثه أو الكاشفة عن حقيقته أو الموضحة لأبعاده والمبينة لأهدافه وغاياته .. الأمر الذي يؤدي للوقوع فيما يمكن تسميته بالمفاجأة الأمنية التي تساهم كثيراً فى إستفحال وقائع الحدث الأمني وتزيد بنفس القدر من درجة قصور الأجهزة الأمنية في تنفيذ خطة مواجهته وبالدقة المطلوبة .

ومن هنا فقد تعرضت الأجهزة الأمنية بليبيا في السابق أثناء مواجهتها للقضاء على زمر المتطرفين للعديد من القصور والسلبيات والاختراقات الأمنية نتيجة لأن تحركهم في مواجهة أي اختراق أمني يرتبط بعدة أبعاد ويشكل فهم هذه الأبعاد ووجود الأرضية المناسبة للتعامل معها العامل الأساسي لنجاح هذا التحرك وتحقيق النتائج المرجوة من الجهود والإمكانيات والطاقات التي بذلت وتتلخص هذه الأبعاد في :

  • وجود حالة أمنية خطيرة تتطلب التحرك لمواجهتها .
  • توفر وانسياب المعلومات عن هذه الحالة ومن خلال قنوات جيدة .
  • اقرار وتحديد نوع وشكل التحرك المطلوب ووضع الخطة المناسبة له حسب المعلومات المتوفرة عن الحالة .
  • توفير الإمكانيات الضرورية لتنفيذ الخطة بشرياً ومادياً .

كما أن مواجهة الأزمة الأمنية يجب ألا تقف عند حد تحجيم أحداثها والسعي لإحتوائها للحيلولة دون استفحالها فقط وإنما ينبغي أن تتجاوزه إلى ضرورة حسن مدارستها وتفهمها تفهماً كاملاً ليساعد على الإحاطة بكافة ما ساهم في إنشائها من عوامل وكذلك ما ساعد على ظهورها من أسباب وما ضاعف من قدرها من معطيات لإلقاء المزيد من الضوء عليها بغية عدم تكرار تلك الأزمات مستقبلاً إيماناً بما يترتب على مثل ذلك التكرار من تبعيات خطيرة قد تصعب من إمكانية تطويقها والحيلولة دون تسببها في انفراط عقد الأمن بالمجتمع الذي نبغي تأمينه .

وتعتمد عملية مدارسة أحداث الأزمة الأمنية على ضرورة تفهم تلك الأحداث تفهماً موضوعياً وبعيداً عن ساحة التعامل الأمني معها وبكل ما تفرضه من مواجهة وسرعة وحماس وردود فعل بحيث كانت غاية ما يحدث يكمن في التعامل مع تلك الأحداث وبطريقة كانت تفرضها ظروف ومقتضيات الساحة الأمنية وبعيداً عن منطق المدارسة الذي كان يحول دون فهم أحداثها فهماً متأنياً ويعتمد على التدبر وإمعان النظر فيها وبشكل متروي وهذا لا يعني مطلقاً بأن ظروف المواجهة الأمنية تخلو من فهم وتفسير الأحداث وتحليلها ولكنه يكون دائماً من خلال رؤية شاملة ترتكز بالدرجة الأولى على الإحتواء ودون إتجاه للتروي والتدبر الذي يحتاج لوقت لا تسمح به غالباً ظروف المواجهة العاجلة والفورية وتكمن أهمية المدارسة والتحليل للأزمات الأمنية وما يحدث فيها من إختراقات فيما يلي :ـ

  • فهم الأحداث من خلال حسن الإحاطة بها وتحليل ما أسفرت عنه من نتائج وتبعات .
  • تقييم النتائج التي تم التوصل إليها وذلك عن طريق رصدها رصداً موضوعياً ومحايداً لإيضاح ما حققته وأفرزته تلك الأحداث والعمليات من نتائج إيجابية وسلبية وذلك بهدف إخضاع تلك النتائج لعملية التقييم الذي يتسم بالشجاعة والدقة ليتسنى لنا في النهاية الوقوف دون تكرارها مستقبلاً .
  • تحديد المسالب ( السلبيات ) التي لحقت بتلك العمليات والإجراءات التي تم إتخاذها لتفادي ظاهرة التضليل الأمني التي قد تعمد إليها بعض القيادات الأمنية لحجب بعض المعلومات عن قيادتها بهدف إخفاء ما أفرزه العمل الأمني من مسالب والتي غالباً ما تسئ إليها وتفضح ما يمكن أن ينسب إليها من تقصير أو إهمال في أداء واجباتها اليومية وما يترتب عليها كذلك من عدم حسن تقدير للموقف الأمني بشكل واضح ودقيق .
  • تفسير الوقائع المسببة لتلك الأحداث والتي ساعدت على استمرار تلك الإختراقات وإنتشارها وتكرارها .
  • ربط الأسباب بالنتائج وذلك من خلال استجلاء العلاقة التي تربط بين أسباب حدوث الأزمات الأمنية والنتائج التي أفرزتها كأثار لها أو أهداف سعت لتحقيقها .
  • استخلاص الدروس من الأزمات التي حدثت وتحليلها بقصد الإستفادة منها في عملية المواجهة المستقبلية وللإحالة دون تكرار حدوثها من خلال التقييم الموضوعي والشامل لكافة خطوات المواجهة الأمنية التي نفذت وبشكل يوضح المقارنة الحقيقية بين ما تم من إجراءات وما كان أن ينبغي أن يتم في ضوء ما أوضحته دراسة تلك المواجهة .
  • استنتاج واستنباط الأسس التي يمكن بواسطتها وضع تصور لملامح خطة المواجهة القادمة أو صياغة استراتيجية العمل الأمني مستقبلاً .

 المقترحات والإجراءات الإحترازية التي ينبغي مراعاتها قبل اتخاذ أي إجراءات لمواجهة أي موقف وهي على النحو التالي :ـ

  • الحرص على مدارسة الأزمات الأمنية التي تحدث ومحاولة تحليل كافة خطوات ومراحل خطة المواجهة إبتداء من عوامل التنبؤ بحدوثها وحتى مرحلة اتخاذ قرار التصدي لها وذلك بهدف استخــلاص ما قد تحتويه من إيجابيات للإستفادة منها والتعرف على السلبيات لتقويمها والابتعاد عنها .
  • التركيز على منهج مبدأ المبادرة الأمنية قدر الإمكان وعدم الاستعاضة عنه بمنهج ردة الفعل الأمني لفاعلية الأولى وسلبية الثانية .
  • إن حالات الاخفاق الأمني تنجم في حقيقتها عن خطأ في التقدير والحسابات نتيجة لإنعدام المعلومة أو لعدم دقتها أو الاهتمام بها أو لإعتماد الكوادر أو القيادات الأمنية على منهج غير علمي في عمليات المواجهة الأمنية أساسه المبالغة في الثقة بالنفس إلى حد الغرور الكفيل بإفشال العمل الأمني في مختلف مراحله وشتى حالاته .
  • إعطاء المواقف الأمنية حجمها الطبيعي وبدون تهويل أو تهوين حتى يتم التعامل معها وبشكل طبيعي .
  • عدم التباطي أو التراخي في اتخاذ قرار مواجهة الأزمة .. الأمر الذي يزيد من قدر استفحال تلك الأحداث ويضاعف من قدر جسامة خطورتها .
  • محاولة احداث نوع من التوازن والتناسب الكامل أو الشامل بين احداث الأزمة وبين وسائل مواجهتها وإحتوائها .
  • وضع استراتيجية واضحة لمواجهة الأزمات الأمنية حتى لا تتم عمليات المواجهة بطريقة ارتجالية أو عشوائية أو بطريقة غير مدروسة العواقب المبنية على ردود الفعل واستمرارها في التنفيذ وعدم الترهل أو تركها للظروف .
  • البث الفوري في المعلومات التي يتم الحصول عليها من خلال المبرزات التي يتم ضبطها لضمان أحكام السيطرة على المجرمين وعدم إعطائهم فرصة للهرب .
  • اتباع أسلوب المحاصرة والنفس الطويل أثناء المواجهة لكي ينفذ صبر الخصم ويخرج من معقله وليصبح سهل المنال .
  • اختيار التوقيت المناسب للمداهمات حتى لا نضطر للتعامل معهم في الظلام وبدون وجود مصادر إضاءة .
  • إجراء التحريات اللازمة لدراسة المواقع المراد مداهمتها قبل التحرك إليها مع محاولة معرفة عدد الأشخاص وهويتهم وتحديد مدى خطورتهم والأسلحة التي بحوزتهم وطبيعة المكان الذي يتواجدون فيه إن أمكن .
  • عدم تنفيذ أي مهمة قبض أو مداهمة إلا بعد الرجوع للجهة المختصة والتنسيق معها في حالة وجود فروع للادارة الامنية حتى نضمن تحقيق عملية النجاح لأية مهمة أمنية وبأقل خسائر ممكنة والقبض على المطلوبين وهم أحياء للإستفادة منهم في التحقيق.
  • تبصير الفروع بالأساليب التي يتبعها أو يستخدمها المجرمون والمطلوبين والتي يتم الحصول عليها من خلال التحقيق مع تبادل المعلومات الخاصة بالمتابعة بين الإدارة العامة والفروع.
  • الإسراع بمحاكمة العناصر المتورطة في أية أحداث من أحداث الأزمة الأمنية مع ضرورة الوصول معها لعقوبات استئصالية لخطورة ما يترتب على مهادنتها عقابياً . الأمر الذي يزيد من قدرة توحشهم أثناء بقائهم بمؤسسات التوقيف التي تتحول لمعاقل يتم فيها إعادة النظر في خططهم الإجرامية مرة أخرى وكذلك تطويرها للوصول بها إلى أقصى درجات النضج الإجرامي .
  • الاهتمام بعملية زرع المصادر وفي بيئة الأزمة الأمنية سواء بعد توقع حدوثها أو حتى أثناء معايشة أحداثها مع رعايتها إيماناً بما ستقدمه من معلومة لا سبيل لحسم المواجهة إلا مع ضرورة توافرها وتواجدها .
  • عدم اقتحام أي موقع إلا بعد أخذ إذن من الادارة العامة ووضع خطة متكاملة ومدارستها مع الأعضاء المنفذين لها .
  • توفير مجموعات للدعم والاسناد للمجموعات المتقدمة للاقتحام والتنفيذ .
  • توفير العدد الكافي من الأعضاء عند وضع أي خطة لضمان نجاح أي مهمة مداهمة أو قبض .
  • تزويد العناصر المكلفة بأجهزة اتصال لاسلكية لربطها ببعضها وبقيادتها لتفادي أي مفاجئة أو حدث طارئ قد يظهر أثناء التنفيذ .
  • اقحام الكلاب المدربة في مجال البحث عن المجرمون .
  • توفير الآليات المناسبة والأسلحة وبمختلف أشكالها وكذلك قنابل الدخان وغيرها من الوسائل المساعدة الأخرى .

المقترحات العملية التي نقترح اتخاذها لضمان السيطرة الأمنية على أي أزمة أمنية وتكمن في الآتي :ـ

1)     إنشاء مجلس أعلى لإدارة الأزمات الأمنية ويضم بعضويته مندوبين من كافة الأجهزة والجهات الأمنية والعامة ذات العلاقة ليتولى تنفيذ المهام التالية :ـ

أ)      استلام البلاغات والمعلومات الأمنية الخاصة بحدوث أي أزمة أمنية ودراستها وإصدار المعالجات والحلول المناسبة لها .

ب)    وضع الخطط الخاصة بالتصدي والمواجهة .

ج)     وضع الاستراتيجية الخاصة بمواجهة الأزمات الأمنية حتى لا تتم بطريقة ارتجالية أو عشوائية ومن كل جهة على حدى .

د)      إصدار التعليمات الخاصة بالتحرك واختيار التوقيت والأجهزة التي تكلف بمهمة تنفيذها .

هـ)     تقييم الإجراءات والمعالجات التي يتم اتخاذها ومقارنتها بمدى نجاحها في السيطرة على الأحداث التي وضعت من أجلها .

و)     توحيد وتصخير كافة الجهود والإمكانيات المتوفرة في مواجهة أي حدث أمني .

س)    معالجة المواقف الطارئة وبشكل طبيعي وبدون ضياع للوقت في البحث عن تعليمات أو حلول من جهات أخرى .

ص)   محاسبة الجهات المقصرة وتوجيهها لمعالجة مشاكلها وأخطائها .

ي)     اقتراح الإمكانيات البشرية والمادية اللازم توفرها لضمان السيطرة الأمنية مستقبلاً .

التوصيات

على الجهات المختصة إنشاء إدارة أمنية مستقلة تتبع وزارة الداخلية لتولى مسئولية تنفيذ كافة العمليات الخاصة بالسيطرة والاقتحام والمداهمة أو التصدي لأي مجموعة إجرامية بعد أن يتم تدريب أعضائها تدريباً خاصاً على كافة أساليب الاقتحام والتسلق والسقوط والانقباض والمطاردة أسوة بالقوات الخاصة ” الصاعقة ” الموجودة بالقوات المسلحة أو بقوة الأمن المركزي الموجودة بالدول الأخرى وذلك لغرض :ـ

1)         التواجد وبشكل مستمر في مواقع محددة وثابتة وتحت إمرة جهة واحدة .

2)         تفادي عمليات تشكيل اللجان الفرعية المشتركة من حين لاخر وما يلحقها من خسائر مادية وبشرية ومن إرهاق وترهل للأعضاء .

3)         خلق نوع من التجانس بين أعضائها .

4)         تفادي عملية ازدواجية التنفيذ واختلاف التبعية الإدارية .

5)         تحديد المسئولية اتجاه أي خطأ أو خرق أمني قد يرتكب .

6)         تفادي عملية الاتكالية والاعتماد على جهاز معين لضمان حسم أي مواجهة .

7)         تفادي الفروق الفردية والشخصية والمزايا التي تتفاوت في الامكانيات المادية التي تزود بها الأجهزة الأمنية عن غيرها .

8)         تولى كافة المهام الخاصة بالسيطرة والاقتحام والمداهمة وعدم شغل قيادات الأجهزة الأمنية الأخرى بهذه الأعمال ولتتولى مهمة تنفيذ مهامها الأصلية .

9)         مشاركة بعض القيادات الأمنية من الأجهزة الأمنية المكلفة بالإشراف على تنفيذ مهامها .

10)       السيطرة على البوابات والمنافذ المهمة .

وعلى أن تزود بالآتي :ـ

1)     طائرات عمودية ، وذلك لإجراء عمليات البحث والتحري وتمشيط المناطق الوعرة وكذلك إنزال القوات بالمناطق الصعبة ولمداهمة الشقق المرتفعة ومطاردة الآليات في المناطق التي لا تتوفر فيها الآليات المناسبة أو في مناطق الغابات والتصحر .

2)     العربات المصفحة الصغيرة والقادرة على المناورة وعلى أن تزود بالرشاشات التي تساعد على التطهير مثل الأغراض العامة و ” م.ط 14.5 ” .

3)     الأسلحة الخاصة بالقنص وكذلك المناظير النهارية والليلية والملابس الواقية وكذلك القنابل الدخانية والمسيلة للدموع وغيرها من الأسلحة المساعدة الأخرى .

4)     كلاب الأثر .

5)     منظومة اتصالات سلكية ولاسلكية .

6)     إجراء دورات خاصة لتأهيل أعضائها بالداخل والخارج من حين لآخر .


#فريق_البحث_الأمني_ بالمركز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى