الدراسات والبحوث

التدخلات الخارجية في ليبيا

تمهيد

لم يعد من الممكن في عالم اليوم عزل أي تطورات محلية عن محيطها الإقليمي والدولي،بحكم جملة التشابكات المصلحية القائمة،وبفعل الحساسيات التي تتركها التطورات المحلية على محيط يوصف بأنه «قرية صغيرة».

 كشفت التدخلات الخارجية في الشأن الليبي عن المسارات التي أدت إلى تدويل القضية الليبية وإخراج اللعبة السياسية تدريجياً من أيدي المواطنين الليبيين،مكرسة الدور الخارجي وسطوته على مجريات الأحداث الداخلية لليبيا،التي عرفت مرحلة مفصلية جديدة بُعيد سقوط نظام معمر القذافي بمقتله في 20-10-2011م. 

 ساعدت الفوضى الأمنية الدول الخارجية “اقليمية ودولية” في وضع يدها على الكثير من مفاصل الدولة عبر أطراف ليبية تتسابق في الهرولة للخارج والإستقواء به ضد خصومها معتقدة أنه سيتم تمكينها وفي الأساس يتم اعادة تكوينها,وساهمت هذه المراهقة السياسية بشكل مباشر في تأزيم الوضع وتشرذمه حتى وصلنا إلى ما وصلنا اليه اليوم من انقسام الجسم التشريعي الى قسمين مؤتمر وطني ومجلس نواب واتفاق سياسي زاد من تعقيد الأمور والمسافات بين الفرقاء بدل تقريبها.

 المشهد الضبابي الذي تعيشه ليبيا اليوم وانهيار مؤسسات الدولة وتفككها وانقسامها يهدد كيان الدولة المنكوبة بمخطط قد تؤدي نهايته الى تقسيم ليبيا بات أمر واقع على الأرض حيث تتنازع ثلاث حكومات كل منها يصدر القرارات والتكليفات يومياً وكل منها يدعي الشرعية وتمثيل الشعب الليبي الذي يعاني وحده الأزمات الخانقة المعاشية والخاسر الأكبر من لعبة تقسيم ليبيا وتقاسمها.

 

*تضارب المصالح

 

تتعارض وتتضارب المواقف والرؤى والمصالح بين الدول الكبرى والإقليمية حول الملف الليبي إلى:

 1- دول ترى في الملف الليبي ملف اقتصادي وترغب في ضمان حصتهم في العقود والصفقات.

2- دول ترى في الملف الليبي ملف أمن قومي يهدد كيانها وسلامتها.

3- دول لا يهمها الشأن الليبي ووضع الشعب الليبي بقدر ما يهمها ضبط الحدود ووقف تدفق المهاجرين نحو أوربا.

4- دول تسعى إلى ضمان استمرار ضخ صادرات النفط الليبي الشريان الحيوي لعجلتهم الاقتصادية

5- دول تعمل بكل قوتها ونفودها وعبر شركات النفط الدولية على ايقاف صادرات النفط ودعم الميلشيات التي سيطرت على الحقول النفطية لرفع الأسعار واستغلال حصة ليبيا في السوق النفطية.

 

 *أسباب التدخلات الخارجية:

 لقد وفر التواصل ووسائل الإتصال أوسع الفرص لمعرفة أدق التفاصيل لما يحدث في المدن والقرى،ونقل الأحداث وقت حدوثها بالصوت والصورة،مما جعل فكرة التدخل الخارجي فيما يجري لرسم نتائج مناسبة لمصالحهم،أو للتأثير في تلك النتائج،أمراً ممكنا ومطلوبا في بعض الأحيان من جانب طرف أو أطراف،غير أنه قبل التوقف عند التدخلات الخارجية،لابد من ملاحظة دوافعها،التي يمكن أن تتوزع في اتجاهين،اتجاه يتصل بالمخاوف،وآخر يتصل بالمصالح، سواء كانت قريبة أو بعيدة.

*التدخل بسبب المخاوف الأمنية:

إن فكرة التدخل الناتجة عن المخاوف،غالبا ما تستند إلى واقع التجاور الحدودي،حيث يكون للتجاور تأثيرات سياسية واقتصادية أو أمنية،كما هو حال وجود الأكراد على امتداد حدود سوريا مع تركيا،أو بسبب مصالح تتصل بالثروات الباطنية أو المياه الجارية،وكلها يمكن أن تتأثر في حال حصول تطورات محلية عاصفة في أحد البلدان المتجاورة،بل إن فكرة التدخل الناتجة عن المخاوف قد تكون أبعد من الجوار المباشر، كما هو حال مخاوف الجوار الأوروبي للفضاء المتوسطي من الهجرة والتطرف الديني اللذين يمكن أن يصيبا الدول الأوروبية،نتيجة أحداث تصيب دولا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا،ستؤدي إلى تدفق موجات من المهاجرين إلى أوروبا، كما حدث بالنسبة لدولة تونس مؤخرا.

*التدخل بسبب المصالح:

أما التدخلات بسبب المصالح فإنها لا تفترض الجوار المباشر وربما الجوار البعيد وهي غالبا تتصل بالدول الكبرى التي لها مصالح من طبيعة إستراتيجية وإن كانت لا تقتصر عليها حيث لبعض الدول الصغرى في مناطق إقليمية معينة مصالح تدفعها للتدخل في بلدان أخرى وإن كان ذلك قليل الحدوث أو هو مقترن بشروط محددة.

إن المصالح في هذا الجانب من التدخلات،يمكن أن تستند إلى أسباب سياسية تقوم على تقاربات أو تحالفات على نحو ما مثل التدخلات السوفياتية – الأميركية وقد تكون لأسباب اقتصادية تتعلق بالثروات والأسواق والإستثمارات كما في التدخلات المتصلة بالبلدان العربية النفطية وقد تتصل الأسباب بدواع إستراتيجية – أمنية.

 

*أنواع التدخلات:

 

  • تدخلات مباشرة.
  • تدخلات غير مباشرة.
  • تدخلات عنيفة تستخدم فيها القوة العسكرية.
  • تدخلات ناعمة تستخدم فيها القوة الإستخباراتية.

 وقد طرأت تحولات على الأخيرة، فصار في عدادها «عقوبات ذكية»،الهدف منها توجيه تلك العقوبات نحو السلطات الحاكمة أو بعضها،بدل أن تكون عقوبات عامة تصيب الشعب كله،وذلك بعد عدة تجارب،ثبت من خلالها أن عقوبات اتخذت ضد سياسات نظام ما،تركت تأثيراتها السلبية على الشعب كما حدث في العقوبات التي فرضت على النظام العراقي السابق بعد عام 1990م وعلى الرغم من أن التدخلات هي تعبير عن مواقف الجهات المتدخلة سواء كانت دولا أو هيئات دولية وإقليمية،فإنها لا يمكن أن تتم دون عوامل دفع وهذه العوامل في أغلبها تكون خارجية،لكنها قد تكون عوامل داخلية ناتجة عن سياسات تقوم بها سلطات البلد الذي يصير في دائرة استهداف التدخلات الخارجية.

 

 *التدخلات الخارجية في الشأن الليبي:

 إن الهدف الرئيسي للتدخلات الخارجية يكمن في إحداث تبدلات جوهرية في بنية السلطة في البلد موضوع التدخل،أو في إحداث تبدلات في مواقف وسياسات تلك السلطة،بعد أن وصلت الجهود الأولية،ولا سيما الدبلوماسية لتحقيق الهدف إلى طريق مسدود،وأكدت سلطات ذلك البلد إصرارها على الحفاظ على طبيعتها،والمضي في مسارات لا تحيد عنها،وبخلاف الهدف العام للتدخلات الخارجية،الذي يصل إلى حد تغيير النظام على نحو ما مثلما حدث في العراق عام 2003م وما حدث في ليبيا حاليا من خلال عمليات حلف الناتو فإن ثمة هدفا للتدخلات،أساسه التأثير على بعض السياسات والمواقف وهو الشكل الأكثر شيوعا وحضورا في السياسة الدولية وفي الشرق الأوسط بصورة خاصة.

إن أجهزة المخابرات في الدول الإستعمارية الغربية تتحكم وتدير قيادات دول كثيرة جدا وخاصة في المنطقة العربية فالمتابع لتاريخ الدول يلاحظ إن رؤساء دول عربية كبيرة ما كانوا ليصلوا إلي سدة الحكم لولا دعم ومساندة هذه الدول وكانت الدول العربية تدار من خلال سفارات أجنبية موجودة بها.

فلا نستغرب من وجود تدخلات خارجية صارخة وأخرى مستترة من كل من فرنسا وبريطانيا وقطر والإمارات،فهي أمور متوقعة من قبل أطراف كان لها دور رئيسي في الثورة وأحداث فبراير 2011م التي شهدتها ليبيا مؤخراً..

فكل متابع لما حدث في ليبيا يتبين له بأن القوات الخاصة البريطانية والفرنسية متواجدة على الأراضي الليبية منذ بداية الأحداث في 2011م وتقدم معلومات في غاية الخطورة للدول التابعين لها عن الأوضاع في ليبيا بما في ذلك الناحية الأمنية بعد ما أصبحت بلادنا مفتوحة على مصراعيها لكل من هب ودب وكان لهم دور كبير في اشعال نار فتيل الحرب الأهلية والقيام ببعض العمليات.

إن المنظمات الاستخباراتية الدولية قامت بالمساهمة في إسقاط النظام السابق بشكل واضح،يذكر أن بريطانيا أرسلت مستشارين عسكريين إلى بنغازي لمساعدة الثوار وشارك الفريق الذي يقوده الكولونيل نيك كيتسون وهو من قدامى المحاربين في إقامة اتصال مع حلف شمال الأطلسي حيت أن هوية كيتسون كقائد للفريق البريطاني في ليبيا لم يسبق الكشف عنها من قبل لأسباب أمنية.

 لا يخفي علي أحد إن ليبيا بعد سقوط النظام السابق أصبحت مرتعا للإستخبارات الإقليمية والعالمية علي حد سواء وخاصة بعد الفراغ الإستخباراتي في الفضاء الليبي حيث لا يوجد كيان أو جسم استخباراتي قوي بعد سقوط النظام السابق.

فالمتتبع للشأن الليبي يلاحظ إن هناك تحرك قوي جدا من قوي استخبارتية إقليمية مثل الإستخبارات المصرية العامة والحربية والجزائرية والتونسية والسودانية والتشادية والقطرية والإماراتية والسعودية وأخرى عالمية منها الإستخبارات الأمريكية (CIA) والفرنسية (DGSE) والإيطالية (AISE) والألمانية (BND) والروسية (SVR) والبريطانية (MI 6) والإسرائيلية )الموساد) والتركية (MIT) والإيرانية (اطلاعات) ولعل جهاز المخابرات الوحيد المفقود والغير موجود هو جهاز المخابرات الليبية الذي انشغل رؤساءه المتعاقبين في تأمين أنفسهم ونهب الأموال العامة وفرصة لا تتكرر خاصة ,ان الجهاز لا يخضع لرقابة ديوان المحاسبة فتنفق عشرات الملايين من الدولارات تحت بند السرية.

هذه المنظومة المعقدة من الشبكة الإستخباراتية الموجودة في ليبيا لها مصالح مختلفة وكل دولة تخدم لمصلحتها منها المصالح الإقتصادية والسياسية والإجتماعية وغيرها من المصالح الخفية يصعب حصرها،إن نشاط هده الشبكات الجاثمة على ليبيا أصبحت ظاهر للعيان والمتمثلة في اتارة النعرة القبلية بين قبائل ليبيا سواء كانت على أساس الشرق أو الغرب أو حتى داخل المنطقة نفسها أو القبيلة الواحدة،ناهيك عن دعم طرف ضد طرف أخر بين التشكيلات الثورية وخاصة في العاصمة طرابلس الغرب، أيضا من خلال الدعاية والإعلام لقائد تشكيل عن أخر والعمل على تعمد إظهاره في الصورة السياسية في ليبيا،ولا ننسى الدعم اللوجستي التي يحضى به أطراف عن أطراف أخرى،سواء كان دلك على الصعيد السياسي (وزارات ) أو الصعيد العسكري (تشكيلات ) أو حتى على الصعيد الإجتماعي (قبائل)،أيضا هناك دعم مادي والمتمثل في الدعم النقدي (أموال،هدايا،هبات) والدعم العيني (أسلحة،معدات عسكرية أخرى). 

وقد أكد محمود جبريل (رئيس الحكومة الليبية السابق) في تصريح له بوجود عملاء لمخابرات كل دول العالم تعمل داخل الأراضي الليبية،بينما تستمر الصعوبات التي تواجه السلطات الليبية الجديدة في فرض الأمن في البلاد، وقال أيضا بأن الإستعانة بـ”القبعات الزرق” أمر وارد الحدوث لفرض الأمن وسط الإنفلات الكبير الحاصل على الأرض،وهو ما دفع رئيس المجلس الإنتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل للتحذير من مخاطر حرب أهلية،كما دفعه أيضًا للإعتراف بالعجز عن كبح جماح المليشيات المسلحة في البلاد وأضاف محذراً من تدخل أجنبي في ليبيا ما بعد القذافي إذا لم يسارع المجلس الإنتقالي لبناء جيش وطني وإصدار وثائق تنظم المرحلة الإنتقالية،خاصة أن جميع مخابرات دول العالم تعمل فوق الأراضي الليبية .

وخير دليل على صدق تصريحه هو كشف مندوب الدفاع الجوي في بنغازي العقيد فوزي البرعصي عن وقوع اختراق السيادة الجوية الليبية من قبل طيران حربي مجهول الهوية،دون أن تعلم الجهات العسكرية الليبية بالأمر، وكذلك حديث وزير الدفاع السابق أسامة اجويلي عن فتح تحقيق حول الدور الأمريكي في تدمير خمسة آلاف صاروخ ليبي ارض جو محمولة على الكتف،وكانت هذه العملية التي شاركت فيها واشنطن قد أثارت استياءً كبيرًا في أوساط بعض القادة العسكريين الليبيين،واعتبروها بمثابة تدمير لقدرات الدفاع الجوي للبلاد.

 فلماذا يتناوب المسئولين في إرعاب المواطن الليبي تارة يخرج (علي الصلابي) يخيفنا من التدخلات الغربية وأطماعهم الواضحة في ثروات ليبيا ويهاجم محمود جبريل فيخرج الشعب الليبي في تظاهرات رداً علي تصريحاته رافعا لافتات(لا للفتنة.. نعم للمكتب التنفيذي في المرحلة الإنتقالية ونعم للوحدة الوطنية)،وتارة أخري يخرج (محمود جبريل) ضارب عرض الحائط كل شيء قدمه الليبيين من تضحيات لأجل الحرية ورغبتهم المستميتة في خلق حياة حرة تحت مظلة القانون والديمقراطية محبط نفسية المواطن الليبي مفجر صدمة فشلنا في تخطي الأزمة وعجزنا علي قيادة الأمور ومرة أخرى يبشرنا بالفوضى المحتملة في ليبيا،فيترك المواطن الليبي في حالة من التربص والخوف والتذمر.

وتصريحات (عبدالرحمن شلقم ) محذرا من نوايا قطر وأطماعها ورغبتها في التدخل في الشؤون الليبية الإقتصادية والسياسية وقيامها بتجنيد وتسليح الليبيين ودعم تيارات إسلامية داخل ليبيا.

الأمر الذي ترك ردود أفعال المواطن الليبي مرتبكة حيال مجريات الأحداث المتسارعة علي الساحة السياسية بين الفرحة والخوف والقلق ويتساءل الناس هذه الخلافات إلي أين تقودنا هل تقودنا لتدخلات خارجية أوروبية أم تقودنا للديمقراطية الحقيقية لتتأكد مقولة إن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية.

ولذلك ومن خلال تحليل الوقائع نرجح أن الغرب يدرس بجدية إن لم يكن يخطط لعملية احتلال من نوع معين لليبيا ما بعد القذافي،فيجب على الشعب الليبي الحذر من هذا الخيار ويسارع بتشكيل مجلس لحماية ليبيا بعيداً عن الإعتماد أو التبعية للغرب،ليشكل عقبة قوية في وجه نظرية الإحتلال أو الوصاية على ليبيا،لأن بعض الدول الغربية التي تعاني من أزمة اقتصادية تريد تدمير البني التحتية في هذا البلد وتستحوذ على ثروته النفطية وتحل مشاكلها الإقتصادية بهذا الشكل،فيجب على الحكومة والشعب أن يؤمنوا بالحق وبالحرية وتحل مشاكلهم عبر الحوار ولا يحق لأي طرف خارجي أن يتدخل في الشؤون الداخلية للدول لأن التدخلات لا تحل المشاكل بل تزيد تعقيد الأمور.

 

 *العملاء بالداخل  الحاراتي نموذج:

 الشيخ المهدي الحاراتي الذي يحوز على الجنسيتين الإيرلندية والليبية شارك في قيادة ثوار طرابلس خلال معركة دخول العاصمة،كنائب للأمير السابق للجماعة الليبية المقاتلة،عبد الحكيم بلحاج رئيس مجلس ثوار طرابلس بعدما فشلت قطر في تنصيبه رئيس مجلس ثوار ليبيا بسبب رفض عدد 8من قيادات ثوار مصراتة في اجتماع اليونان السري أول اغسطس 2011م وتم اغتيال 6منهم لاحقا منهم محمد أبوشعالة آمر كتيبة النمر وحسين التير آمر كتيبة التحرير ويعتقد أغلب الناس أنهما قتلا في المعارك وليس بعمليات مخابراتية مدبرة جيدا ومحكمة التنفيد.

تعرض منزل الحاراثي العائلي في دبلن عاصمة إيرلندا، لعملية سرقة وسطو من طرف مجهول(!!!)،استولوا على عدد غير معروف من المجوهرات الثمينة إلى جانب مبلغ 200 ألف يورو،كانت مخبأة بإحكام بالمنزل بشكل يثير الشكوك حول مصدرها والغاية من عدم إيداعها بالبنك وبالتحقيق معه وسماع أقواله لمعرفة مصدر تلك الأموال من قبل جهاز الأمن البريطاني اعترف للمحققين أن المبالغ المالية كانت عبارة عن دعم مالي قدمه له عميل للمخابرات الأمريكية ”CIA سبق أن تعامل معه ومده بأموال في إطار دعم مالي للثوار -على حد قوله.

 

*النتائج: الإنقسام السياسي

 تعيش ليبيا منذ أكثر من ست سنوات أزمة عميقة،تجاوزت تداعياتها الأبعاد السياسية لتطال الجوانب الإقتصادية والأمنية والعسكرية والإجتماعية وتمزق النسيج الإجتماعي الليبي بسبب الحرب الأهلية وهو الجرح الذي سيمتد نزيفه عقود قادمة ولن يشفى بسهولة بسبب التركيبة الإجتماعية القبلية الجهوية للشعب الليبي.

 ويشهد الصراع الداخلي في ليبيا،مراحل نزاع كثيرة،تؤججها التغيرات الكبيرة التي فرضتها التحولات الداخلية من جهة والإقليمية المتوترة،وضعف الوسائل والإمكانيات التي يمتلكها الفرقاء المتنازعين مقارنة مع حجم المعركة الكبير من جهة أخرى وتعيش الأطراف حالة من عسر الفهم الواقعي ويتحدثون عن وهم الحسم رغم تضاعف حجم الضحايا والخسائر البشرية والمادية التي دمرت البنية التحتية واستنزفت الإحتياطيات المالية الليبية ومؤشرات الإقتصاد جميعها سالب أحمر ولا تبشر بانفراج قريب. 

يتجاذب الأزمة السياسية في ليبيا العديد من الفرقاء،استقرت اليوم على أربعة أطراف رئيسية،يتدافع كل منها لتحقيق مآربه وتجيير الأمور لصالحه وهي تقسم وفق التالي: 

  • تيار فبراير.
  • تيار الكرامة.
  • تيار الوفاق.
  • تيار الخضر.

 

 *الأول: تيار ثورة فبراير

 وهو التيار الذي لا يزال يؤمن باستمرار خط الثورة الليبية،يضم في مكوناته بقايا المؤتمر الوطني العام المحسوب على الإسلاميين وحكومة الإنقاذ الوطني برئاسة خليفة الغويل، التي فقدت مواقعها الهامة في العاصمة طرابلس وتراجعت لتتمركز في ترهونة ومسلاتة وبعض القرى الأخرى غير الهامة ويمثل صوت المفتي الصادق الغرياني روح هذا الجسم الذي ينفت فيه الحياة كلما ترنح وأوشك على السقوط.  

يعاني تيار الثورة من حالة تخبط وتشرذم سياسي بسبب غياب استراتيجية واقعية على الأرض من جهة،وافتقاد النهج الثوري الذي يتبعه إلى مشروع جامع لمختلف مكوناته السياسية والعسكرية والجهوية،على الرغم من الدعم القطري والتركي الذي يحظى به هذا التيار السياسي. 

ضعف جبهة الإسلاميين في ليبيا، تسبب بانقسام المعسكر الإسلامي وانضمام قوى عسكرية وسياسية لتيار الوفاق،وفي المحصلة أضحى المؤتمر الوطني العام الممثل لهذا الخط عاجزاً عن فرض معادلته السياسية بسبب التمزق الذي طال صفوفه،وأفقده هالات سياسية قوية،حتى بات عاجزاً عن لم شمل أعضاءه المتبقين متسبباً بافتقار خط الثورة للقاعدة الشعبية الهامة لإستمرارية وبقاء أي جسم سياسي. 

ويبدو أن التحولات التي ألمت بتيار خط الثورة المحُارب بقوة من قبل المحور الإماراتي المتخوف من وصول الشراراة الى واحاته،جرد القوى السياسية المنضوية تحته من القدرة على التحكم بمسار الأمور السياسية ووضع يدها على مقاليد الدولة ومؤسساتها فقد خلقت ومولت الامارات أجساما سياسية كتحالف القوى الوطنية وعسكريا كقوات القعقاع والصواعق ودعمتها بامكانيات ضخمة أحدث توازن في العاصمة طرابلس مدة ثلاث سنوات تقريباً ومولت مؤسسات اعلامية ليبية ساهمت في مواجهة ومهاجمة الألة الإعلامية للإسلام السياسي الليبي. 

في ظل ضعف الإسلاميين سياسياً،وعدم قدرتهم على التحكم بسير العملية السياسية،بات واضحاً بالنسبة للمؤتمر الوطني العام ولحكومة الإنقاذ،أن تجاوز الخيار الدولي سيقابل بدعم دولي لعملية الكرامة في الشرق،وتهديد ما تبقى من خيار قيام الدولة الليبية،ما يضع الإسلاميين في خانة المقتنع بضرورة التوافق مع مختلف المكونات السياسية في البلادلإعتبارين:

 -الأول: تخوف الإسلاميين من الخروج النهائي من المشهد السياسي والعودة للوضعية الإقصائية التي كانوا عليها أيام نظام القذافي.

-الثاني: عدم الإستسلام والسماح للمحور الإماراتي المصري بتحقيق هدفه بطمس الإسلاميين نهائياً من  الوجود الليبي.

 تيقن التيار الإسلامي بفعل الضربات المتتالية التي تلقاها في الشرق الليبي بقيادة الجنرال خليفة حفتر أن يد الإمارات مغلولة بقوة في الساحة الليبية دفع بالإسلاميين إلى شن هجوم على قاعدة براك الشاطئ جنوب ليبيا التي سيطر عليها قوات عسكرية أعلنت تبعيتها للقيادة العامة أسفر عن سقوط (141)قتيلا غالبيتهم من العسكريين الذين شاركوا في الإستعراض العسكري الذي أجري في شرق ليبيا بحضور الجنرال خليفة حفتر القائد العام وغياب المستشار عقيلة صالح القائد الأعلى للقوات المسلحة الليبية وهذه كانت رسالة قوية لأطراف كثيرة صامتة ومحايدة قد تفكر في الإنضمام لمعسكر القيادة العامة ورسالة للمحور الاماراتي أن امكانية الرد موجودة.

 

*الثاني: تيار الكرامة

يقوده الجنرال خليفة حفتر ويدعمه جزء هام من مكون البرلمان المنعقد في طبرق والحكومة المؤقتة برئاسة العقيد عبدالله الثني (ضد حفتر ومشروعه ولكن لا يملك امكانيات وأدوات المواجهة) ورغم الخلاف بين الأجسام الثلاثة إلا أن ظروف المواجهة ضد تيار الاسلام السياسي تفرض عليهم المسايرة السياسية والمساومة والرضى بالجزء المتوفر لهم,على الرغم من أن أعداء اليوم (العسكريين والاسلاميين) (خليفة حفتر ووسام بن حميد) كانوا في جبهة واحدة ومعسكر واحد ضد نظام القدافي إلا أن محاولة الإستحواد والهيمنة ومسلسل الإغتيالات التي ابتدأه الاسلاميين في بنغازي دق ناقوس الخطر للعسكريين فكان لا بد لهم من التحرك أو الفناء.

تمكن مشروع الجنرال خليفة حفتر الذي حاول الإنطلاق به من العاصمة طرابلس ولكنه فشل بعد انسحاب أطراف عسكرية ممولة ومدعومة من الإمارات وعدته بالدعم فأعاد المحاولة وانطلق من شرق ليبيا ونجح في تجاوز فبراير بكل تداعياتها الفوضوية وخلط الكثير من الأوراق الليبية بدعم معلن من مصر والإمارات والسعودية وتواجد محدود لدور فرنسي وأقل منه دور متأخر روسي،انعكس على الساحة الليبية بكبح عجلات تيار خط استمرار الثورة وإعاقة مشروعها بشكل كبير. 

يندرج دعم دولة الإمارات العربية المتحدة لتيار الكرامة ضمن منظومة الأهداف الخارجية لأبوظبي الساعية إلى إقصاء الإسلاميين من المشهد السياسي الليبي في مرحلة ما بعد 2011. 

وعليه شكلت التعزيزات العسكرية التي قدمتها الإمارات لقوات المشير خليفة حفتر عاملاً مساعداً للإمارات للقضاء على المشروع الإخواني في ليبيا ولم تقتصر المساعدات الاماراتية على الامدادات العسكرية فحسب بل تعدتها إلى شن ضربات عسكرية على مواقع الإسلاميين كان أولها في اغسطس 2014م حيث شنت أول ضربة ضد المسلحين الإسلاميين في طرابلس،بالتعاون والتنسيق والعمل المشترك بين القاهرة وأبو ظبي. 

وفي الوقت نفسه قدمت الإمارات 4مليارات دولار لحكومة مصر في العام 2013م من أجل تعزيز التعاون بينهما في التعاون العسكري بالتوازي مع التعاون المشترك والتنسيق مع الكرملين وتشجيعه على تسليح الجيش الليبي وتعزيز دور الجنرال حفتر تحت راية مكافحة الإرهاب والتطرف وقد قامت الإمارات بتوفير طائرات بدون طيار وطائرات سمتية هجومية يقودها طيارون أجانب مستأجرون في تنفيد العديد من المهام والضربات ضد تمركزات كتائب الثوار الإسلامية خاصة في شرق ليبيا.

ويدكر الكثير من المحلليين السياسيين والخبراء في الشأن الليبي أن الجنرال خليفة حفتر الذي يطمح في السيطرة على ليبياوإدارتها كما كان يديرها رفيقه وخصمه العقيد معمر القدافي،بدأ يلعب دوراً خارج نطاق الحدود التي يرسمها له ويريديها المحور الإماراتي، ما حذا في فترة من الفترات بمصر إلى تخفيف مستوى دعمها دون قطعه نهائياً فانهارت جبهات القتال وتقدمت قوات سرايا بنغازي بقيادة مصطفى الشركسي واستعادت الموانيء النفطية وطردت قوات حفتر وباشرت في تقدمها معلنة رغبتها الوصول الى بنغازي مما جعل الجنرال حفتر أن يعي جيداً حجم امكانياته وأهمية الدعم المقدم له.

 

الثالث: تيار الوفاق

 التيار السياسي الذي تقوده حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز مصطفى السراج المنبثقة عن اتفاق الصّخيرات برعاية الأمم المتحدة.  

 يواجه تيار الوفاق المدعوم دولياُ ضغوطات كبيرة،ناتجة عن التحديات السياسية التي يتعرض لها من قبل حكومتي الثني والغويل من جهة،وبسبب الشلل الإقتصادي الكبير الذي تعاني منه ليبيا،نتيجة عدم توفر السيولة النقدية في البنوك،وغلاء المعيشة وانهيار الدينار الليبي مقابل الدولار حيث وصل الى 9أضعاف سعره الأصلي،ما يضع حكومة الوفاق أمام سيل من الإنتقادات الشعبية. 

 سيطرة كل من الحكومتين المتقابلتين الثني شرق ليبيا والغويل غرب ليبيا على مساحات ومدن ليبية،يضعف موقعية حكومة الوفاق،ويجعلها غير قادرة على بسط سلطتها على كامل الأقاليم الليبية،وبالتالي يحد من قدرتها على التحكم بالجماعات المسلحة التي تسطير كل منها على بقعة جغرافية وولائها لمن يدفع ويصدر لهم صك الشرعية والغطاء القانوني. 

 أما الصراع الكبير الذي تواجهه حكومة الوفاق،فيتجلى بمواجهتها القوية مع مجلس النواب في طبرق الذي لا يزال يرفض منحها المصادقة والشرعية وادراج الإتفاق السياسي ضمن بنود الإعلان الدستوري ليحضى الإتفاق بولادة شرعية والمواجهة الأخرى لمحور تيار الكرامة الذي يرفض الإعتراف بالوفاق،معتبراً أن اتفاق الصخيرات الذي تحاول حكومة الوفاق تمريره يهدف إلى إعطاء دور هامشي للجنرال خليفة حفتر،ما يدفع بأبوظبي ومحورها إلى تكثيف مواجهتها لتيار الوفاق رغم مظاهر الوساطة التي تحاول الإمارات توليفها إعلامياً.  

 ولعل تآكل الشرعية التي تعاني منها حكومة الوفاق رغم الدعم الدولي الكبير الذي تحظى به خير دليل على نجاح الإمارات بتشتيت القوى السياسية لها،وشلل وضعف كبير في أداء وزاراتها،وغياب الإنسجام بين مكوناتها السياسية. 

 

 *الرابع: تيار الخضر

 يشكل أنصار النظام السابق (النظام الجماهيري) في مجملهم وجموعهم رقم هام في المعادلة الليبية خاصة القسم العسكري والأمني منهم وبعد غياب عن الساحة قسريا خوف العقاب والملاحقة أو طوعيا كنوع من الرفض للوضع الجديد عادوا من جديد للمشهد وشارك جزء هام منهم في معركة شرق ليبيا وبنغازي ضمن قوات الكرامة معلنين في العلن أنهم عسكريين ويتبعون الأوامر وفي داخلهم يرغبون في الثأر من الإسلاميين وكتائب الثوار التي كانت تقاتلهم في أحداث 2011م وتحقق لهم ذلك وانسحب جزء كبير منهم.

 رغم محاولات ادعاء تيار الخضر ووصفه لخصومهم بأنهم عملاء وباعوا ليبيا للغرب والأجانب إلا أن حالهم ليس أحسن وتتواصل رموزهم السياسية والعسكرية مع كافة الأطراف الدولية والاقليمية الفاعلة ويتنقلون سراً وعلانية في العواصم من موسكو إلى باريس وروما وكييف والجزائر والقاهرة وتونس وحتى حكومة الوفاق التي يلعنونها في العلن يجتمعون مع رئيسها ووزرائها ويحاولون الحصول على جزء من الكعكة ورجع عدد كبير منهم للعمل داخل طرابلس وتولوا حقائب هامة.

 يؤمن أغلبية قادة التيار الأخضر أن عودة الجماهيرية أضغاث أحلام وباءت كل محاولاتهم بالفشل الدريع ويتخاصمون فيما بينهم عن رؤية المستقبل وخارطة الطريق من أين تبدأ وأين تنتهي إلا أن التيار الغالب بتوجيهات من سيف القدافي يجهزون أنفسهم للدخول في الانتخابات البرلمانية والحصول على حصة هامة من مقاعد البرلمان تمكنهم من تشكيل حكومة ورغم أن مبادئهم الثورية وفكر الكتاب الأخضر الذي يؤمنون به يحرم عليهم تأسيس أحزاب سياسية أو المشاركة في البرلمانات التي لا يؤمن بها ويطرح بديل عنها ما يعرف في ليبيا ارفع اللوح نزل اللوح “المؤتمرات الشعبية”.

 

*شرء النفوذ الدولي:

 تستعمل الدول والمحاور اللاعبة في المشهد الليبي المال وسيلة للتأثير على صناع القرار في العالم والتأثير على صناع القرار في ليبيا,فتغيرت الولاءات وانتقلت من مكان إلى مكان بسبب الدعم والوعود المقدمة من هذه الدولة أو تلك وصل الأمر إلى توظيف المبعوث الدولي السابق برناردينو ليون بعقد عمل في الإمارات فور انتهاء مهمته في ليبيا,وكل طرف صراع يحاول عبر حلفاءه التأثير في المبعوثين والوسطاء الأمميين الذين فهموا أن ادارة لعبة الصراع في ليبيا هي بين عواصم اقليمية ودولية وليست بين المدن الليبية فلوحظ قلة زيارتهم للمدن الليبية بخلاف زياراتهم المتكررة لدول الجوار القاهرة والجزائر ودول صراع النفود العربي الدوحة وأبوظبي ودول المصالح التاريخية روما وباريس واسطنبول ودول الحرب الباردة موسكو وواشنطن.

 ساعد النفوذ المالي الذي تنعم به الإمارات بشراء صوت مبعوث الأمم المتحدة,أمضى برناردينو ليون صيف العام 2014 في التفاوض مع دولة الإمارات على وظيفة براتب 35 ألف جنيه إسترليني شهريا (53 ألف دولار)،يشغل بموجبها منصب مدير عام “أكاديمية الإمارات الدبلوماسية” التي تهدف إلى تطوير علاقات الإمارات مع العالم،والترويج لسياساتها الخارجية،إضافة إلى تدريب الكادر العامل في السلك الدبلوماسي،في توجه يهدف إلى دعم مساعي أبو ظبي في صقل مهارات دبلوماسيي المستقبل من الشباب الإماراتي وتوفير كافة السبل والإمكانات لتعزيز تدخل الإمارات العربية المتحدة على الصعيدين الإقليمي والدولي.

 الرسالة البريدية نشرت مضمونها صحيفة “ذا غارديان” البريطانية، كشفت النقاب عن مكامن التعاون الإماراتي-الدولي،ممثلا ببرناردينو ليون، وأكدت انحيازه لأحد أطراف الصراع وفقا لما يتسق مع الرغبات الإماراتية قال في أحد رسائله “لا أعمل على خطة سياسية من شأنها أن تشمل الجميع وتعامل كل الأطراف بشكل متساوٍ..وأعمل وفق خطة إستراتيجية لـنزع الشرعية تماما عن المؤتمر الوطني العام”،مضيفا:”خطتي تهدف لكسر تحالف خطير جدا بين التجار الأثرياء من مصراتة والإسلاميين،الذين يحافظون على قوة المؤتمر الوطني العام،وتعزيز الحكومة المعترف بها دوليا والمدعومة من الإمارات ومصر”.

 نجاح الإمارات العربية المتحدة بشراء ضمير ليون، ساعد حفتر على تحقيق أهدافه العسكرية والسياسية في البلاد،نتيجة الدعم الذي قدم له من قبل المبعوث الأممي إلى ليبيا بشكل سري،والذي يخدم المشاريع الإماراتية من جهة،ويحفز الدور الذي تلعبه للدبلوماسية الإماراتية  من جهة أخرى. 

 

 *الإبتزاز الإقتصادي:

 الإبتزاز الإقتصادي تمارسه كافة الدولة كورقة ضغط اذا ما تعارضت المصالح وأطراف النزاع في ليبيا خاصة من يمتلكون المال استخدموا هذه الورقة بشكل جيد فقد هددت الإمارات العربية المتحدة بشن حرب اقتصادية على المملكة المتحدة في حال لم تنفذ بريطانيا جملة من القرارات الإماراتية لمحاربة جماعة “الإخوان المسلمين” التهديدات التي لوحت بها أبوظبي مع وصول الرئيس المصري السابق محمد مرسي للحكم في يونيو 2012 تضمنت وقف صفقات الأسلحة بمليارات الجنيهات مع المملكة المتحدة،ووقف الإستثمار الداخلي،وتقليص التعاون الإستخباراتي،مطالبة من رئيس الوزراء البريطاني السابق دايفيد كاميرون بممارسة الضغط على هيئة الإذاعة البريطانية لوقف تغطيتها للأحداث في مصر والتخلص من المتعاطفين مع الإسلاميين فيها.

وتأتي تحذيرات ولي العهد الإماراتي بسبب مخاوفه من تنامي دور الإسلاميين في مصر والدول العربية لا سيما التي تأثرت بموجة الربيع العربي كدولة ليبيا ما دفع بأبو ظبي إلى استكمال منظومة إجراءاتها عبر شراء صوت الأمم المتحدة بالمقابل عرض ولي العهد على كاميرون سلسلة من الإنتصارات الدبلوماسية إذا ما واجهت لندن الإسلاميين،بالسماح لشركة النفط البريطانية بالعودة والتنقيب في رمال أبو ظبي،وعقد صفاقات سلاح تحقق أرباحا بالمليارات لجناح صناعة الطيران في شركة أنظمة تصنيع السلاح “بي إي إي سيستمز”وتقديم صفقة طائرات تايفون وقيمتها 6مليارات دولار بالإضافة إلى تعميق التعاون في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية والعسكرية فضلاً عن ضخ أموال خليجية للاستثمار في بريطانيا.

 تجدر الإشارة إلى أن الاستثمارات الإماراتية في بريطانيا وصلت إلى 2.2 مليار دولار،بالإضافة إلى وجود 120ألف مواطن بريطاني يعيشون بالإمارات وهي أرقام تعزز أيضا التأثير الإماراتي على بريطانيا.

 وقامت دولة قطر بالمثل لحماية مشروعها ودعم حلفاءها فقد قامت بسحب الأرصدة المودعة في البنك المركزي المصري للضغط على النظام المصري بعد سقوط الاخوان والرئيس مرسي ولديها مزيد من الأوراق في حال ضغط عليها أكثر كترحيل 300ألف عامل مصري يعملون في قطر وتمتلك قطر عبر الصندوق السيادي تم تصنيفه التاسع عالمياً حصص مهمة في أسهم أهم الشركات والمؤسسات في أمريكا وبريطانيا وروسيا والصين وفرنسا وعدة دول برأس مال يقارب 400مليار دولار.

 

 *آثار التدخّل اللدولي:

 *على صعيد المؤسسة العسكرية: 

ساهمت التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية الليبية في عرقلة دور المؤسسة العسكرية والتخفيف من أهمية الدور الذي يلعبه الجيش والشرطة في حفظ الأمن الوطني والسيادة الليبية على حساب تغذية الولاءات القبلية التي أضحت الأولوية للكثير من المواطنين الليبيين. 

في المقابل عززت الجهوية والتشرذم الحزبي إقصاء الأطراف الوطنية التي حاولت مقاومة التدخل الأجنبي، وهو ما قابلته تلك الدول المتدخلة في الشأن الليبي بشن هجمات ممنهجة على المتصدين للظاهرة القبلية وسعوا إلى تهميشهم وإقصاء دورهم السياسي. 

 

*مخالفة قرار حظر توريد الأسلحة: 

أسفرت التدخلات العسكرية الخارجية في ليبيا،عن انتشار السلاح غير الشرعي في ليبيا بشكل كبير ووصوله للمليشيات الخارجة على القانون منتهكة القانون الدولي لحظر توريد الأسلحة إلى ليبيا الصادر عام 2011 وهو ما أثبته تحقيق صادر عن مجلة “التايمز” الأمريكية،الذي أكد “إن دولة الإمارات نشرت 6 طائرات توربينية في قاعدة جوية شرق ليبيا، لدعم قوات الجنرال خليفة حفتر في حربه على مناوئيه في بنغازي ودرنة” وأظهرت صور رصدت عبر الأقمار الاصطناعية، أن ست طائرات مروحية منصنع الولايات المتحدة موجودة,في قاعدة جوية فى شرق ليبيا،تم نشرها لدعم قوات الجنرال حفتر في تحد واضح للأمم المتحدة وكشفت العديد من التقارير الرسمية وغير الرسمية عن الخروقات التي قامت بها الإمارات في ليبيا، من عمليات تهريب سلاح إلى ليبيا لا تشمل نقل الذخائر والسلاح فقط، بل بتحويل طائرات مقاتلة،قامت بها الإمارات بمساعدة مصرية أهمها التقرير السنوي للجنة العقوبات الدولية الخاصة بدولة ليبيا وتقرير أممي صادر في مارس 2015م.

وعلى خط مواز للخروقات أكدت زيارة رئيس الأركان الإماراتي عيسى المرزوعي إلى بنغازي إشكالية التقرير الأممي الأخير الذي تحدّث عن دعم عسكري إماراتي قوي لحفتر عبر تزويده بـ 195آلية (يبك – آب) قتالية تم نقلها إلى طبرق وإمداده بطائرات عمودية هجومية من طراز (إم آي 24 بي) بيلاروسية التصنيع فضلاً عن تمكينه مادياً وعسكرياً ولوجستياً لتطوير قاعدة “الخروبة” جنوب المرج.

كما أثبتت التحقيقات من عدة جهات مختلفة ونشرت اعترافات عدد من المقبوض عليهم في قناة الحدث الليبية عن دعم تركي قطري مباشر وعبر السودان مروراً أو صيانة المعدات العسكرية داخل قواعد الجيش السوداني للميلشيات الإسلامية الليبية المنضوية تحت ما يسمى كتائب الثوار بالسلاح والذخائر وتوفير العلاج لأكثر من 4ألاف من جرحى الميلشيات في المستشفيات التركية لدينا قوائم الأسماء كاملة وتمويل صفقات السلاح ونقل المرتزقة والمتطرفين العائدين من القتال في العراق وسوريا عبر المطارات التركية وقد قتل العديد منهم في عدة مدن ليبية في معارك مع قوات تيار الكرامة شرق ليبيا أو عبر القصف الدولي.

 

*دعم الجماعات المسلحة: 

 تجاوز الدعم الإماراتي  الثورة المضادة منه الدعم السياسي وتعداه إلى تأسيس قوى عسكرية وأمنية خارج مؤسسات الدولة تتبع نظام الجهوية الذي يخدم أجندتها،مثل قوات دفاع برقة (ذابت وانصهرت مع قوات تيار الكرامة) وقوات الصواعق وقوات القعقاع (هزمت في معركة فجر ليبيا وتم اخراجها من طرابلس) الصواعق بقيادة الرائد عماد الطرابلسي الزنتاني وتعتمد في اساسها على أفراد من قبيلة المحاميد وهم عرب يسكنون على الحدود الليبية التشادية ولا يمتلكون أوراق هوية ليبية ويتقاضون رواتب مالية مقابل عملهم في الصواعق وتم تغير الاسم حاليا الى قوات “مكافحة الإرهاب” وتقوم بتخريج دفعات وتزيد من حجم قوتها تدريجيا ويتمركزون في الزنتان بشكل أساسي وفي بعض المناطق المتحالفة مع الزنتان حول طرابلس كمنطقة ورشفانه ويأخدون شرعيتهم القانونية من القيادة العامة التابعة للجنرال خليفة حفتر لضمان استمرار التحالف بين الزنتان وقوات الكرامة لحماية أنفسهم من أن تنفرد بهم قوات فجر ليبيا والاسلاميين التي تحاول جاهدة اضعاف والقضاء على قوات الزنتان.

   

*تقويض جهود السلام:  

لم تترك المصالح التي تحرك الدول المتصارعة من أجل النفود في ليبيا مكاناً للمصالحة الخروقات والتدخلات المستمرة لطالما قوضت جهود الحل،ولئن حاولت هذه الدول مصر- أبوظبي- قطر- روسيا – الجزائر- فرنسا – ايطاليا الخ الظهور إعلامياً كوسيط لحل الأزمة الليبية،والتموقع وسطيا بين أطراف الأزمة،عبر استقبالها رئيس مجلس رئاسة حكومة الوفاق فائز السراج، وأعضاء من المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب، واستقبال خليفة حفتر، إلا أن ذلك لم يرفع عنها حقيقة ضلوعها في الأزمة الليبية وكل دول ومحور يدعم حقيقة تيار معين ويمده بالسلاح والمعلومات ويفتح له عبر حلفاءه الدوليين خطوط محدودة للعلاقات الدولية ليكون تحت وصايتهم.

 *السيناريوهات المحتملة:

 تنذر الفوضى المستشرية في ليبيا وانعدام السيادة على التراب الليبي بإطالة أمد الأزمة الليبية فاستمرار حالة الاقتتال والفوضى،هي الحالة التي ستسيطر على بلد يعاني من انعدام الإستقرار السياسي والإستنزاف الإقتصادي بفعل سيطرة الدولة سيطرة حقيقية على مواردها المالية، فكافة مؤسسات الدولة الهامة تعاني الإنقسام والصراع على من يمثلها ويديرها مثل الشركة العامة للكهرباء والمؤسسة الوطنية للنفط وبنك ليبيا المركزي وشركة الخطوط الجوية الليبية وشركة الإستثمارات الليبية الخارجية ما ينعكس سلباً على الأوضاع المعيشية للمواطنين.  

 

-السيناريو الأول: يعمل المحور الاماراتي على تعطيل مسار الإصلاح السياسي والديموقراطي لتمكين حلفاءه من تحسين وضعهم على الأرض وزيادة فرصة مناورتهم السياسية،خاصة بعد تحقيقهم العديد من المكاسب في بنغازي وجنوب ليبيا الا أن الحديث عن الحسم العسكري أمر سابق لأوانه وغير ممكن واقعيا على الأرض خاصة في مناطق غرب ليبيا دون الوصول إلى تسوية سياسية تطمئن الأطراف من عدم الاقصاء أو العودة لمربع الصفر وحكم الفرد “حفتر” واعادة تدوير منظومة النظام السابق وهذا تجلى في التكليفات السياسية والعسكرية شرق ليبيا مما أثار قلق تيار فبراير.

ويبدو أن ظروف تحقق هذا السيناريو متوفرة بسبب التباعد الكبير بين أطراف الأزمة الليبية وفشل كل المبادرات الرامية لتحقيق التقارب ما سيسفر عن استمرار الاقتتال ودخول البلاد إلى المجهول مع انتقال براتن الأزمة إلى دول الجوار وعلى أوروبا. 

 

-السيناريو الثاني: يشير إلى ضغط دولي يفرض على الأطراف المتصارعة التوصل إلى حل سلمي ينهي الأعمال القتالية والعمل ببنود اتفاق الصخيرات والقبول بحكومة الوفاق الوطني يقبل عبره المحور الاماراتي بإعطاء الجنرال حفتر دوراً استشارياً في قيادة الجيش الليبي ما يضمن انطلاقة آمنة لبدء لمسار الإصلاح السياسي والديمقراطي. 

ويتحقق هذا السيناريو بعد اقتناع الإمارات والأطراف الدولية بضرورة الحياد لحل الأزمة الليبية والتخلي عن مبدأ الإنحياز بعض أطراف الصراع ما سيحد من دور الجماعات المسلحة ويحد من حجم التدخلات الإقليمية والدولية. 

يكفل هذا السيناريو تحقيق الإستقرار والأمن الذي يضمن الحفاظ على وحدة الدولة الليبية ويقطع الطريق على سيناريوهات التقسيم ويضع حداً لإستنزاف الدولة وإهدار طاقاتها ومقدراتها وبالتالي يساعد على تحسين الوضع الإقتصادي. 

ظروف تحقق هذا السيناريو غير متوفرة بسبب إصرار الأطراف المتنازعة على تنفيذ كامل أجنداتها السياسية في ليبيا، وتعنتها بعرقلة مسارات الحل السياسي، واستثمار الشرخ السياسي المسيطر على أطراف الصراع. 

-السيناريو الثالث: ويشير إلى إقصاء الدور الإماراتي عبر إخراج الجنرال خليفة حفتر من المشهد الليبي بشكل نهائي عبر استعادة الهلال النفطي عن طريق عملية عسكرية تفقده أقوى أوراقه وهذا السيناريو تتبناه تركيا بشكل أساسي ويعمل عليه القنصل التركي المتواجد في القنصلية التركية بمدينة مصراتة عبر اجتماعاته المستمرة مع قادة سرايا الدفاع عن بنغازي. 

إلا أن ظروف تحقق هذا السيناريو لا تجد أرضية لها في الساحة الليبية خاصة في المناطق التي يسيطر عليها الجنرال حفتر كمنطقة الهلال النفطي مع الإشارة إلى المخاطر المحدقة لتحقيق هذا السيناريو التي ستؤدي إلى اتساع رقعة الصراع ومضاعفة التدخلات الخارجية واعادة تثبيت موطيء قدم للعديد من الأطراف. 

-السيناريو الرابع: في مقابل الإقصاء تشير تقديرات إلى نجاح الجنرال خليفة حفتر المدعوم إماراتياً بالحسم العسكري وسيطرة قواته على كل مفاصل الدولة ومؤسساتها والتحكم بموارد البلاد النفطية. 

 ويأتي سيناريو الحسم العسكري لحفتر إثر الدعم العسكري الكبير الذي ستقدمه الإمارات وبعض الأطراف الإقليمية والدولية في ظل فشل الجهود السياسية في تحقيق الوفاق الوطني وسقوط دور اتفاق الصخيرات وحكومة الوفاق الوطني المنبثقة عنه التي لم تشهد يوماً إجماعاً ليبياً على دورها وشرعيتها ما سيسهل على المحور الإماراتي تمرير مشاريعه وتنفيذ أجنداتها بشكل يسير. 

 أما أمنياً سيسفر الحسم العسكري لصالح المحور الإماراتي بتوفير أرضية خصبة للجماعات المسلحة والإرهابية في ليبيا التي لن تشكل  وحدة الدولة عائقاً أمام محاولاتها بالانتعاش مجدداً. 

 ظروف تحقق هذا السيناريو ليست مثالية،لأنها ستحافظ على التدخلات الأجنبية في الشؤون الليبية،وستلقص فرص تعافي الإقتصاد الوطني،في وقت سيبقى المشهد السياسي يعاني من حالة تذبذب وانقسام،نتيجة إقصاء بعض الأطراف السياسية عن الساحة الليبية بفعل انغلاق مسار الإصلاح السياسي. 

-السيناريو الأخير: يتمثل بإنهاء وحدة الدولة الليبية وتقسيمها وفق اعتبارات قبلية أو سياسية أو جغرافية. 

 ويأتي خيار التقسيم بعد الفشل في الوصول الى حل سياسي ونجاح الأطراف المستفيدة من استمرارية الصراع في تقويض جهود الحل والتوافق بين أطراف الأزمة واقتناع الأطراف بعدم جدوى الحوار السياسي من جهة وفشل أي طرف من أطراف الصراع في حسم المعركة لصالحها من جهة أخرى. 

 ويهدف الدور الخفي للأطماع الخارجية الداعم بعضها لمبدأ التقسيم إلى تسهيل مهامها المستقبلية في اخضاع الكيانات والإستنزاف وفق مصالحها وتبقى ظروف تحقق هذا السيناريو واردة لأنها تساهم في تغذية الأطماع الإماراتية وتساعدها على الحفاظ على الإنسداد السياسي الذي لن يعرف أي مسار للإصلاح. 


#فريق_البحث_الأمني_بالمركز 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى