الدراسات والبحوث

ليبيا وادارة التوحش

سياسة التوحش أو إدارة التوحش هي ليست إدارة لشركة تجارية أو مؤسسة تعاني من الفوضى،أو مجموعة من الجيران في حي أو منطقة سكنية أو حتى مجتمعاً مسالماً يعانون من الفوضى ، ولكنها طبقاً لعالمنا المعاصر ولسوابقها التاريخية المماثلة وفي ظل الثروات والأطماع والقوى المختلفة والطبيعة البشرية وفي ظل الصورة التي نتوقعها يكون الأمر أعم من الفوضى.

فالتوحش يقصد بها تلك الحالة من الفوضى التي ستدب في أوصال الدولة أو منطقة بعينها إذا ما زالت عنها قبضة السلطات الحاكمة.

وهذه الحالة من الفوضى ستكون “متوحشة” وسيعاني منها المجتمع،لذلك وجب على القاعدة ” التي ستحل محل السلطات الحاكمة تمهيدا لإقامة الدولة الإسلامية ” أن تحسن إدارة التوحش إلى أن تستقر الأمور.

فمنطقة التوحش قبل خضوعها للإدارة ستكون في وضع يشبه وضع أفغانستان قبل سيطرة طالبان،أي منطقة تخضع لقانون الغاب بصورته البدائية ، يتعطش أهلها،بل ويقبلون أن يدير هذا التوحش أي تنظيم أخياراً كانوا أو أشراراً ، إلا أن إدارة الأشرار لهذا التوحش من الممكن أن تحول هذه المنطقة إلى مزيد من التوحش .

مرحلة التوحش تعد المرحلة الثانية بعد المرحلة الأولى التي تتمثل في شوكة النكاية والإنهاك، وقبل المرحلة الثالثة والأخيرة التي تقود إلى التمكين،أي إقامة الدولة الإسلامية حسب الخطاب الجهادي الذي يرى أيضاً أن هناك مناطق رئيسة تمر بهذه المراحل ، في حين أن هناك مناطق أخرى غير رئيسة لا تمر إلا بمرحلتين مما سبق ذكرهم.

*مقومات الإرهابيون في انتهاج سياسة التوحش:-

  • وجود عمق جغرافي وتضاريس تسمح بإقامة مناطق تدار بنظام إدارة التوحش.
  • ضعف النظام الحاكم وضعف قواته خاصة المتمركزة على أطراف دولته.
  • وجود مد إسلامي جهادي مبشر في هذه المناطق.
  • طبيعة الناس في هذه المناطق.
  • انتشار السلاح بأيدي الناس فيها.

*البعد العسكري في سياسة التوحش:

   تتمثل أهداف البعد العسكري لهده السياسة في أربعة أهداف وهي:-

  • إنهاك قوات النظام الحالي،وتشتيت جهوده، والعمل على جعله لا يستطيع أن يلتقط أنفاسه بعمليات وإن كانت صغيرة الحجم أو الأثر ولو ضربة عصا إلا أن انتشارها وتصاعدها سيكون له تأثير على المدى الطويل.
  • جذب شباب جدد للعمل الجهادي عن طريق القيام ،بين فترة وأخرى بعمليات نوعية تلفت أنظار الناس.
  • إخراج المناطق المختارة من سيطرة النظام ومن ثم العمل على سياسة التوحش الذي سيحدث فيها.
  • الارتقاء بمجموعة النكاية بالتدريب والممارسة العملية ليكونوا مهيئين نفسياً وعملياً لمرحلة إدارة التوحش.
  • ومقابل هذه الرغبة في تحريك “الحاضر” نحو المستقبل،وتحريك “مرحلة النكاية” نحو”إدارة التوحش”،سوف نرى تحذيرات قد يطلقها البعض من هنا أو هناك بحجة “الحفاظ على النسيج الوطني أو اللحمة الوطنية أو الوحدة الوطنية.

إن الفكر العسكري الذي تقترحه هده السياسة للإنتهاء من مرحلة “النكاية” والوصول إلى مرحلة “إدارة التوحش” هو”ضربات متسلسلة للنظام تنهكه وتستنزفه تمهيدا لسحقه.

لتطبيق نظرية التوحش على أرض الواقع، وضع الإرهابيون خطتين:

*الخطة الأولى:

تنويع وتوسيع ضربات النكاية في الدولة،بحيث يحدث تشتيت لجهود الدولة ومن ثم استنزافه بأكبر قدر ممكن فمثلاً: ضرب السفارة الأمريكية والفرنسية، عليه تم تأمين جميع السفارات في الدولة بما يشمل ذلك من شغل قوات إضافية أضعاف الوضع العادي وزيادة كبيرة في الإنفاق، وهكذا تنويع وتوسيع لدائرة الأهداف وضربات النكاية التي تتم من مجموعات صغيرة ومنفصلة، مع تكرار نوع الهدف مرتين أو ثلاثاً ليتأكد لهم أن ذلك النوع سيظل مستهدفاً .

*الخطة الثانية:

تتمثل في تشتيت قوى النظم السياسية في الدولة،بإجبارها على توزيع قوى الأمن لكي تنفذ الأولويات التالية:

  • الحماية الشخصية للشخصيات الاعتبارية بالدولة والأجهزة الرئاسية.
  • الأجانب.
  • حماية الحقول النفطية البترول.

وإذا تم تركيز الاهتمام والمتابعة فسيبدأ التراخي وخلو الأطراف والمناطق المزدحمة والشعبية من القوات العسكرية أو وجود أعداد من الجند فيها بقيادة هشة وضعيفة القوة غير كافية العدد من الضباط وذلك لأنهم سيضعون الأكفاء لحماية الأهداف الاقتصادية،ومن ثم تكون هذه القوات الكثيرة الأعداد أحياناً الهشة بنياناً سهلة المهاجمة والحصول على ما في أيديها من سلاح بكميات جيدة،وشاهدتم كيف يفر الجند لا يلوون على شيء في عدد من المعسكرات التابعة للدولة،ومن هنا، يبدأ التوحش والفوضى وتبدأ ليبيا تعاني من عدم الأمان ، هذا بالإضافة إلى الإنهاك والإستنزاف في مهاجمة باقي الأهداف ومقاومة السلطات.

*ولتحقيق كل ذلك يرى الإرهابيين بأنه يجب أن تطور”القوى المجاهدة” العديد من الإستراتيجيات أهمها:

  • إستراتيجية عسكرية تعمل على تشتيت جهود قوات الدولة وإنهاك واستنزاف قدراتها المالية والعسكرية.
  • إستراتيجية إعلامية تستهدف وتركز على فئتين ، فئة الشعب بحيث تدفع أكبر عدد منهم للانضمام للجهاد والقيام بالدعم الإيجابي والتعاطي السلبي ممن لا يلتحق بالصف،الفئة الثانية جنود الدولة أصحاب الرواتب الدنيا لدفعهم إلى الانضمام لصف المجاهدين أو على الأقل الفرار من خدمة الدولة.

يقومون بجر الشعب إلى المعركة كما هو عليه الوضع الحالي بحيث حدث بين الناس استقطاب، فذهب كل فريق منهم إلى جانب واستطاعوا أن يتحصلوا على جزء من هذا الإصطفاف ينضم لهم, وبقى فريق سلبي ومحايد ينتظر نتيجة المعركة لينضم للمنتصر.

من خلال السرد السابق نطلب منكم الرجوع بالذاكرة للخلف ومطابقة هذا المقال لما حدث في ليبيا ونترك لكم التقييم واختيار الطريق الصحيح بعد توضيح السياسة الممنهجة لجر ليبيا إلى ما هو أسوء.


#فريق_البحث_الامني_بالمركز.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى